Saturday, November 24, 2012

الربيع العربي... ثورات إلكترونية؟

الثورات في تونس ومصـر وليبيا وسورية والبحـرين واليمن... ماذا كان دور التكنولوجيا في تفجيرها؟ وكيف تمكن الثوار في تلك الدول مـن استخدام أدوات العصر للتواصل والتنظيم ونشر الأفكار بأسلوب لم يكن قابلاً للتحقيق قبل سنوات قـليلة فقط؟ والأهم من ذلك كله، هل كانت الثورات تكنولوجية أم أنها كانت لتقع حتى في حالة غياب ما توفره لنا شبكة الإنترنت اليوم؟

مشـهد جـديد أتى من شـوارع مدن عربية عدة، شـباب وشـابات يخرجون للتظـاهر مسـلحـين بكـاميرات هواتفهم المحـمولة، ليتم بعد ذلك نشـر الصور وتسجيلات الفـيديو عـلى شـبكة الإنـترنت فوراً، ومعها آخـر الأخـبار عـن الأوضاع في بلادهم... لكـن لمـاذا الآن؟ الخـبيرة في مجال دور الإنترنت في النشاط السياسي بمعهد أوكسـفورد للإنترنت مريم أوراغ تـقول إن ارتفاع مسـتويات التعـليم والإحباط بسبب غـياب فرص العـمل وتوفر إمكانيات الاتصال الإلكترونية، كلها شـكـلت مزيجـاً متفجراً؛ « في العالم العربي- الإسلامي، لدينا قسـم كـبير مـن المجـتمع تحـت عـمر الثلاثين، والكثير من هـؤلاء لديهم درجات جامعية إلا أنهم عاطلون عن العمل... الإنترنت تحول إلى جـزء مـن حياتهم اليومية  »... لكن في كل حالة، كانت هـناك شـرارة أخـرجـت العملاق من قمقمه؛ في تونس كان مقـتل البوعزيزي وفي مصر مقـتل خالد سعيد، هذه الشـرارة هـي مـا دفع الآلاف للخـروج إلى الشـوارع للتعـبير عـن رفضـهم للوضع القائم ومطالبتهم بالتغـيير... الحـوار حـول هـذه التحـركات والدعوات للمشاركة فيها تمـت عـن طـريق الإنـترنت؛ سـواء باسـتخدام Facebook أو Twitter أو المدونات أو غـيرها... في تونس، دفع موت البوعزيزي المواطنين إلى تنظيم مظاهرات عـمت كافة المدن، وانتهت بفرار الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير.

خـلال المظاهرات التي عـمت المدن المصـرية، الحـكومة المصـرية أوقـفت خـدمات
الإنـترنت في جـميع أنحـاء البـلاد... وهذه الفـتاة تسـأل: مـن يخـاف مـن تويـتر؟

في مصـر، أدى نشر تسجيلات مصورة لخالد سعيد وآثار التعذيب والضرب بادية على جـثته عن طريق موقع Youtube إلى تنظيم مظاهرات حـاشدة شهدتها مدن رئيسية يوم 25 يناير... الرد الحكومي جاء عـنيفاً ومدمراً... إلا أن المصريين واصلوا مظاهراتهم... فجـاءت محـاولات السـلطات عـزل المتظاهـرين وتجـميد سبل اتصـالهم عـن طـريق وقـف عـمل مواقع التواصل الاجـتماعي الأجـنبية والعـربية؛ حـتى وصـل الأمر إلى قطع كافة خـدمات الإنترنت والهاتف المحمول في البلاد (بما في ذلك الرسائل النصية SMS التي كانت تحـولت إلى أسلوب سريع وفعال في نقل المعلومات)... المسألة لم تكن بسـيطة؛ إذ أن مصـر هـي نقطة وصل فيما يتعلق بخطوط الإنترنت بين جـنوب شرق آسـيا وغـرب أوروبا عـن طـريق كابل ألياف بصـرية اسمه SEA-ME-WE 3 يبلغ طوله 39 ألف كيلومتر يمـتد من الهند والصين في قاع المحيط الهندي باتجاه قناة السـويس وحـتى مقاطعة كورنوال البريطانية... ومع كل هـذا، قررت حكومة القاهـرة قطع جميع الاتصالات الإلكترونية بين مصر والعـالم الخـارجي... ورغم الظلمة الإلكترونية التي أرادها نظام مبارك، فالظلمة التامة كانت مستحيلة؛ إذ أن عصر الإنترنت ووسـائل الاتصالات يوفر الإجابات دائماً، مهما كانت معقدة... وسرعان ما قام مـزودون لخدمات الإنترنت في فرنسا والسـويد وغيرهما بتوفير أرقام هاتفية مجانية يمكن للمصريين الاتصال بها للربط بالإنترنت عن طريق خطوط الهاتف الأرضية باستخدام تكنولوجيا Dialup التي تعد قديمة بعض الشيء وبطيئة للغاية؛ إلا أنها كانت وسيلة مقبولة لتبادل النصوص المكتوبة... كذلك كان هناك القـمر الصناعي الثريا 2 الموجود على ارتـفاع 35 ألف كيلومتر وهـو ما مكـّن مالك أي هاتف يعمل بتكنولوجـيا الأقمار الصناعـية من اسـتخـدامه كمودم للوصل بالإنترنت، رغم ارتفاع أسعار استعمالها لهذه الغايـة... هـذا قبل أن يبدأ البعض بإدخال لواقط أقمار صناعية خاصة بخدمات الإنترنت إلى البلاد... ثم ظهـرت خـدمات الرسائل الصوتية التي وفرتها مواقع Twitter و SayNow التابعة لـ Google ما سـمح لمسـتخدمي الهواتف الأرضية بالاتصال بأرقام معينة وترك رسـالة صوتية مسجلة ليتم نشرها على المواقع المعـنية... وهو ما ترك الباب مفتوحـاً أمام المواطنين كي يواصـلوا تنظيم تحركاتهم واسـتلام المعلومات الخاصة بتطورات الأوضاع في مناطق مختلفة من البلاد... لكن رغم انقطاع وسـائل الاتصـالات الذي أرادته الحـكومة، فعـالم ثورة المعلومات كان يسـمح للآلاف بتسـجيل الأحـداث (صور وفيديو) باسـتخدام كاميـرات هـواتفهم المحـمولة؛ ما سـمح للبعض بالاحـتفاظ بالتسـجيلات ونشـرها حالما سـنحت الفـرصـة... حـتى أن المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهـرة قرروا إنشـاء مركز إعلامي صـغير مكون من خـيمتين لجمع التسـجيلات التي جـاء بها زملاؤهم، ووفقاً لأحـد مسـؤولي ذلك المركز تمكن المشاركون فيه من جمع 75 غـيغابايت في السـاعات القليلة الأولى من العـمل.


أمر مشـابه يحـدث في سوريا حـتى الآن، إذ أن السـلطات تقطع كافة وسائل الاتصـال عن المدن التي تقع تحـت الحصـار وتحت وقع هـجـمات قوات الأمن والجـيش، لهذا يقوم المواطـنون باستخدام هـواتفهم لتسـجيل الوقائع ثم يقومون بنقل بطاقات الذاكرة إلى الحدود مع الأردن جـنوباً أو مع تركيا شـمالاً ليسـلموها إلى أشخـاص يقومون بنشـرها على الفور عـلى شـبكة الإنـترنت.
لكن مع إتمـام عـمليات التنظيم وإيصال المعـلومات، فإن المظـاهرات يجـب أن تـتجـدد عـلى الأرض؛ في شـوراع المـدن والبلدات التي يريد مواطـنوها تغـيير الحـاضر وصـنع المسـتقبل المشـرق الذي يتمنون قدومه... لهـذا، فالعـمل الحـقـيقي كان يـبدأ في الشـارع، بمشـاركة الآلاف وهـتافاتهـم والمطـبوعات التي كانوا يوزعـونها بين بعـضـهم وعـلى الآخـرين... مواجـهة قوات الشـرطة والجـيش لم تكـن تحـدث في عـالم افـتراضـي على شـبكة الإنـترنت، بل كـانت سـاحـتها كـل أنحـاء البلاد.

حـتى المصـطـلحات التي تم اسـتخـدامهـا من قـبل بعـض المتـظاهرين في مـصر وتونس
كـانت مرتبطة بالعـصـر الإلكتروني المعـلوماتي الذي نعـيشه؛ مـثل اسـتخدام كـلمة
Game Over التي تسـتعـمل دائـماً في الألعـاب الإلكـترونية.

والواقع الذي نشـهده اليوم هـو أنه في بعض الحـالات، كـما هـو الأمر مع نظـام القـذافي، المظاهرات السـلمية لم تؤت أكلهـا، فهي لم تجـبر العـقـيد عـلى التنحـي، حـتى أنه أراد قـتـل كافة المشـاركين فيها؛ مـا دفع المحـتجـين إلى حـمل السـلاح وبدء معـركة [انتهت بمقتله وانتصار الثورة].
الحـقـيقة أن المظاهـرات اتسـعـت وازداد عـدد المشـاركين فـيها بعـد قـطع خـدمات الإنـترنت والهـاتف المحـمول... وهـم لم يبـدأوا باحـتجـاجـاتهـم لأنهم قرروا القـيام بذلك مـن دون دافع؛ الأحـوال الاقتصادية المتردية: البطالة، تدني مسـتويات التعـليم، الخـدمات الصحـية البائـسة، الفسـاد، الظـلم... كـلها أسـباب دفعـت جـيل الشـباب إلى رفض الواقع المفروض عـليهم مـنذ عـقود... وهي التي دفعـتهم إلى مواجـهة عـناصر الشـرطة والجـيش المسـلحين... وهـذا يجـعلنا نرى بوضـوح الإجـابة عـلى السـؤال الرئيسي في هـذا المقال: هـل كـان الربيع العـربي ثورة إلكـترونية؟   الشـعـب، في كـل دولة،  وليس التكـنولوجـيا هـو من صـنع الثـورة... فالمواقع الإجـتماعـية لم تكـن لتعـمل لولا المسـتخـدمين... والمسـتخدمون في هـذه الحـالة كانوا ثوارا ً غـاضـبين راغـبين في التغـيير...[إلا أن الأدوات التكنولوجية هي التي قدمت له سلاحاً قوياً مكنهم من مواصلة المواجهة، والانتصار في نهاية المطاف]... هـذا أيضـاً يجـعـلنا نتسـاءل عـن عـلاقة الحـركات التي تدعي تمثيل الدين بعـصر التكـنولوجيا... والفاصـل الزمني ليس طـويلاً عـن الوقت الذي خـرج فـيه الرجـل الذي مثـل أعـلى سـلطة في هـرم أكـبر تـلك الحـركات على شـاشات التلفزيون في برنامج حواري شهـير، ليقول إنه لا يعـرف كـيفية اسـتخـدام الإنـترنت ولا كـتابة البريد الإلكـتروني ولم يعـرف مـن كـان بيل غـيتس... فما عـلاقة هـؤلاء بعصـر مكـن الشـباب من الثـورة عـلى واقعهم رغـبة في إعـادة بلادهم إلى مقدمة صف الحـضـارة؟ ولمـاذا يسـمح لهـؤلاء بالقـفز عـلى الثـورات وإدعـاء أنهـم هـم مـن أطـلقها وهـم الذين يسـتحـقون جـني ثمارهـا؟

الأشخاص الذين أطلقوا شرارة الثورة في تونس، وبعد ذلك في مصر، كانوا من
فـئة الشباب المتعـلم الذي كان يمثل الشريحة الأكبر فـيما يتعلق بالتعامل مع
خدمات الإنترنت والتي كانت قادرة على التواصل إلكترونياً.

بالتـأكـيد، الثـورة كـانت من نـتاج العـقول المنـفـتحة عـلى مـا يجـري في العـالم؛ عـقول أدركـت أن شـعوب بلادهـا تحـيا في المـاضي بظـلامه وتعـاسـته، وأدركـت أن الدولة المدنية الحـرة التي يعيش فيها مواطـنوها كـافة بمسـاواة وعـدل، هـي الدولة التي يرغـبون في تأسـيسـها والحـياة فيها... لهـذا يـتوجـب عـلى الجـميع الحـذر مـن عـدم انزلاق بلادهم إلى فوضى التخـلف والانقسـام والمواجـهة بين أبناء الوطـن الواحـد... عـلى مـن عـمل لإسـقاط الأنظمة البائدة أن يواصل العمل كي لا تسـقط البلاد بيد أنظمة مشابهة، شـكلها فقط هو المخـتلف. [وهذا للأسف هـو ما نشهده اليوم].

Tuesday, November 20, 2012

قصص الطوفان


يعـتقـد الكـثـيرون أن قـصة الطـوفان وسـفـينة نـوح وصـلتنـا فـقـط عـن طـريق الروايات الديـنية والكـتب المقـدسـة للديانات السـماوية الثـلاث؛ إلا أن الحـقـيقة هـي أن القصـة مـصدرها أسـاطـير سـبقت ظـهـور أي مـن تـلك الديانات... وفي الواقع، تشـير مـعـظم تلك الأسـاطـير إلى أنه بالفـعل كان هـناك طـوفان، لكـن الشـيطان يكـمن في التفـاصـيل... لمعـرفـة المزيـد، تـتـواصـل الأبحـاث العـلمية في مجـالات الآثـار والتـاريخ وحـتى الجـيولوجـيا لتحـديد أصـل هـذه القصـة ومصـدرهـا الحـقـيقي وظـروف ظـهـورها عـلى مـر العـصـور في ثـقافـات عـدة.

ملخص القصة: بعض البشر في زمن نوح كانوا ظالمين وتولوا عن عبادة الإله الواحد واستغنوا عنه، فغضب الإله عليهم وقرر الانتقام من البشرية جمعاء بإرسال طـوفان عـظيم يدمر كل شيء ويزيلها عن ظهر الكوكـب باسـتـثناء نوح نفسـه وعـدد من الأفـراد الذين آمـنوا برسالته... الإله أمر نوح ببنـاء سـفـينة كـبيرة تحـمله وتحـميه ومن معه إضـافة إلى زوجـين من كـل نوع حـيواني حـتى تـنحسر المـياه ويبدأ هـو وأتبـاعـه بإعـمار الأرض من جـديد.
اليوم، وبعد لحـظة من السعـادة الكـبرى التي جـاءت بعـد اكتـشافات عـالم الآثار البريطاني ليونارد وولي في مـدينة أور (العـراق) والتي اعـتقد البعض أنهـا تؤكـد حـدوث طوفان عـظـيم ربطـوه عـلى الفـور بالرواية الدينـية الخـاصة بسـفيـنة نوح، بعد تلك اللحـظة جـاءت البراهين العـلمية التي كان آخـرها الدلائل التي توصل إليها الجيولوجيان ويليام رايان ووالتر بيتمان والتي تؤكـد أن ما حـدث في تلك المنطقة جاء نتيجـة ارتفاع كـبير في منسـوب مياه البحـر الأسـود الذي وصـلته مياه من البحر المتوسط مروراً بمضيق البوسفـور، وذلك بحـدود العـام 5600 قـبل الميلاد... ووفـقاً للعـالمين، كل أسـاطير الطـوفان ما هي إلا السجل الجماعي الذي تمت كتابته حول تلك الكارثة الطـبيعية التي طُـبعت رعباً في ذاكرة الثقافات على مر الألفيات... لكن رغم ذلك، هناك الكثير من الادعاءات حول اكتشاف بقايا "سـفن" نوح في مناطق مختلفة مـن تركيا، أرمينيا، إيران وغـيرها في محـيط المنطقة ذاتها.

اللوحـة إلى اليسار تظـهر، وفـق الرواية الدينية، الآثـمـين الذين لم يصـدقوا نـوح بعـد تواصل هـطـول الأمطـار
وتشـكل الطـوفان الذي حـمل سـفـينة نوح بمن فـيها إلى النجـاة... الفسـيفساء إلى اليمين موجـودة في كنيسة
سان ماركـو بمدينة البندقية (فيـنيسـيا) شمالي إيطاليا، وتظـهر نوح وهـو يرسـل حـمامة بيضـاء لمعـرفة ما إذا
كانت قـد ظـهرت يابسـة في مكـان مـا مـن الأرض.


مصادر المعلومات وتعـددها
الوثـيقة الأقـدم المتوفرة لدينا Sumerian Eridu مـحـفوظة في متحـف بنسلفانيا وهـي باللغة السـومرية وتعـود للقرن الثاني والعشرين قـبل الميلاد، وتروي كـيف نصـح الإله إنكي الملكَ زيوسودرا ببناء قارب لإنقاذ عائـلته من الطوفان... اكتشـافها تم في العـام 1895 في مدينة نيبور (العـراق)... في الفـترة التالية لكـتابة الوثيقة دخـلت شـعـوب سامـية تلك المنطقة فـحـدثت تغـيرات عـلى اللغة لتصبح فيما بعـد الأكـدية (الأشـورية-البابلية)... في تلك الفـترة، كـتبت وثـيقة أخـرى؛ عـبارة عـن قصـيدة من 1245 بيتـاً تحـمل اسـم بطـلها؛ أترا-خـاسـيس (Atra-hasis)... هـذا الإسـم يعـني "الحـكـيم الكـبير"، الذي يسـاعـده إلهـه عـلى النجـاة مـن الطـوفان... هـذه الوثـيقة محـفـوظـة في المتحـف البريطاني.
نصـل بعـد ذلك إلى الوثـيقة الأكـثر شـهـرة في تاريخ بلاد الرافـدين؛ ملحـمة غـلغامش، والتي حـفرت على لوح طـيني تم العثور عليه عـام 1853 ضـمن مكـتبة الملك أشـوربانـيبال في نينوى بالعراق، إلا أنهـا تعـود لعصـر سـابق؛ ما بين القرنين الرابع عـشر والثالث عـشر قـبل الميلاد... في القصـيدة، يروي مؤلفها "شين إيقي أونيني" حـكاية غـلغامش كـلهـا في عـمل أدبي متكامل تدور فكرته حول البحث عـن الخلود ويـنـقـل أعمال ملك أوروك مع إنكـيدو وموت إنكـيدو وقصـة الطـوفان... وهـنا الإله إيا (أو إنكي بالسـومرية) يحـذر الرجـل الصالح أوتنابيشـتين من الكارثة ويطـلب منه بنـاء قارب ينـقـذ الأحـياء.
الباحـثون يؤكـدون أن أسـس رواية الفيضـان المذكـورة في ملحـمة غـلغـامش تـتطابق مع تـلك في قصـيدة أترا-خـاسـيس، مـا يعـني أن هـناك من نـقل عـن الآخـر، أو أن يكـون للوثـيقـتين مصـدر أقـدم منهـما ذكـر تـفاصـيل الحـكاية.
لكـن هـناك كـذلك وثائق تاريخـية حـول الموضوع ذاتـه ظـهـرت بعـيدة عـما ذكرناه سـابقاً؛ بعـيدة مكـانياً وزمـانـياً... مكانياً، هـناك لوح أوغـاريت؛ وهـي مـديـنة أثـرية تقع عـلى مسافة 12 كـيولومتراً شمال مدينة اللاذقـية السورية وتـطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط... اللوح يعـود للقرن الثالث عـشر قـبل الميلاد.
أما زمانـياً، فـهـناك الرواية المذكـورة في الكـتب المقدسة للأديان السماوية... وفيها نجـد اخـتلافات في بعض التفاصـيل؛ إلا أن المسـار العـام للأحـداث هـو ذاتـه لا يتغـير... وكذلك نجـد رابطـاً واضـحاً بين روايات الكـتب المقدسة وتلك التي وصـلتنا من نصـوص بلاد الرافدين: السـفـينة، الحـيوانات التي يتم إنـقاذها، الطـيور التي يتم إرسالها للتأكد من انتهاء الطوفان وغـيرها.
آخـر الوثائق الخـاصة بقـصة الطوفان تأتـينا من كاهن بابلي اسـمه بيروسوس في القرن الثالث قبل الميلاد... النص الأصـلي ضـاع ولم يتم العـثور عـليه، إلا أن ما وصـلنا كـان أجـزاء منه نـقلهـا أشـخـاص في عـهود لاحـقة.

تمـثال يظـهر غـلغـامش؛ ملك مديـنة أوروك السامـرية وفي يده أسـد... التمـثال محـفـوظ في متحـف اللوفـر بباريس.


أين هـي السـفـينة؟
المعلومات التي تـقدم لنا إجـابة عـن هـذا السؤال تـأتـينا من أربعة مصـادر رئيسية... الأحـدث هـو الـقـرآن الذي يحـدد مكان رسو سـفينة نوح عـند جـبل الجـودي (أو Cudi Dagh) جـنوب شـرقـي تركيا قرب الحـدود العراقية السـورية... المـصدر الثـاني هـو وثـيقة بيروسوس التي تـحـدد الموقـع عـند سـلسلة جـبال الأكـراد في أرمينيا (التي من المحـتمل أنها لا تمثل الدولة التي تحـمل ذلك الاسم اليوم)... ثم هـناك العـهـد القـديم الذي يحـدد المكـان بمنطـقة جـبال آرارات التي يـقـع أعـلاهـا عـلى بعـد 200 كـيلومـتر شـمال الجـودي... والوثـيقة الأقـدم بالطـبع هـي ملحـمة غـلغامش التي تحـدد اسم الجـبل الذي رسـت عـنده سـفـينة نـوح؛ نيسـير (أو نيموش وفق قراءة أخـرى)... ما سـاعـد العـلماء في تحـديد هـوية هـذا الجـبل اليوم هـو نص مـنقول عـن الملك الآشـوري آشـورناسـيبال والذي يدور الحـديث فيه عـن أحـد انتصاراته؛ وما يعـتقده المخـتصون أن الجـبل هـو جبل بيره مكرون في محـيط مديـنة السليمانية شمال شـرقي العـراق... ما تـبقى قوله هـو أن كل ما تـتـناقله بعض مواقع الإنترنت (الدينية منها على وجه الخصوص) حول اكتشاف بقايا للسفينة في أي من المواقع المذكورة عار تماماً عن الصحة ومرفوض بشكل كامل من قبل الوسط العلمي.




Thursday, November 1, 2012

عصر إلكتروني جديد

الحياة التي نعرفها اليوم تختلف تماماً عما عهده آباؤنا... الدنيا الآن ليست تلك التي تحدث عنها الفلاسفة والمفكرون قبل خمسين عاماً، فالعلم والتطبيقات التكنولوجية التي جلبها غيرت ملامح البشر وأسلوب حياتهم في كل مكان.
العالم يتحول تدريجياً نحو التطبيقات الإلكترونية، سواء برمجيات أو أجهزة، في كل ما كنا يوماً نعتمد عليه فيما يتعلق بالحصول على المعلومات أو بالترفيه، أو بالاتصال والتواصل مع المقربين أو مع العالم برمته.
ثورة المعلومات قدمت لنا وسائل جديدة جعلت حياتنا أسهل ويسرت وصول المعارف والأنباء إلينا... جزء كبير من هذه النقلة جاء مع انتشار أجهزة الهواتف الذكية التي مكنتنا من البقاء على اتصال بأصدقائنا وبزملائنا في العمل طوال اليوم وفي كل مكان... ثم أصبحت تلك الهواتف تقدم لنا خدمات تصفح الإنترنت وقراءة الكتب وسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام والاستمتاع بالألعاب الإلكترونية، والكثير الكثير... لكن ما أضاف لمسة سحرية إلى كل هذه الخيارات والخدمات كان، من دون شك، الكمبيوتر اللوحي.


شركة أبل، وإن لم تكن الأولى، نجحت في طرح منتج متكامل؛ خفيف الوزن، وسهل الاستخدام... الآيباد كان نقطة التحول الكبرى في هذا المجال؛ إذ فتح الباب أمام كل الشركات المنافسة للدخول في سوق جديدة... أبرز تلك الشركات كانت سامسونج التي توجهت نحو إصدار أجهزة لوحية قياس شاشاتها يتراوح بين 7 إنش و10، في حين قدمت شركة أسوس منتجات مثل ترانسفورمر حظيت بنجاح مماثل... أما شركات أخرى كانت لم تعرف الفشل سابقاً، مثل شركة RIM المنتجة لهواتف بلاك بيري، فقد تلقت صفعة تلو الآخرى، أولاً في مجال مبيعات هواتفها ثم في السقوط المريع لكمبيوترها اللوحي PlayBook.


الآن تنتقل أسواق الكمبيوترات اللوحية إلى مرحلة جديدة... فمع تصدر شركة أبل للمبيعات، برزت منتجات أخرى تنافس في الجودة وفي الأسعار... أكبر مثال على ذلك هو جهاز Google Nexus 7 الذي لاقى قبولاً كبيراً ونجاحاً غير مسبوق؛ إذ كانت المعادلة التي جلبها إلى السوق جديدة بالكامل، منتج متكامل بمواصفات متقدمة وسعر لا يمكن أن يقاوم... ليتبعه مؤخراً جهاز Nexus 10 الذي يؤكد كثيرون أن نقاء شاشته وكثافة عرضها الرقمية هي الأفضل على الإطلاق الآن.


ما كان حكراً على شركة أبل أصبح مفتوحاً أمام العديد من الشركات حول العالم؛ فدخول أمازون وغوغل وسامسونج وغيرها هذه السوق ودفعها هي الأخرى بمنتجات متفوقة، وبأسعار في متناول الجميع، شكل صفعة كبيرة لأبل... ما شجع شركة التفاحة الشهيرة هي الأخرى على طرح منتج بشاشة صغيرة (iPad Mini) رغم إعلان الراحل ستيف جوبز عام 2010 عن رفضه القاطع لتلك الفكرة وقناعته بأنها ستبوء بالفشل.

المهم في كل هذا الأمر هو أن الخيارات أمام المستهلكين أصبحت كثيرة وأجهزة الكمبيوتر اللوحي أصبحت واقعاً يحمله كل صغير وكبير أينما ذهب؛ تبقيه على اتصال مع العالم وتسمح له بزيادة معارفه ومعلوماته على الدوام.