تتناقل وكالات الأنباء هذه الأيام معلومات مفادها أن إيران تمكنت من إطلاق قرد إلى الفضاء وإعادته سالماً... الأخبار مصدرها إيراني بالطبع والصور التي تم إرفاقها بالخبر تظهر قرداً، في حالة واضحة من الرعب، مقيداً إلى ما يشبه المقعد.
أول ما يلفت الانتباه في هذا الخبر أن الصور التي تم نشرها للصاروخ الذي زعم أنه حمل القرد إلى ارتفاع 120 كيلومترا فوق الأرض، تلك الصور لا تظهر صاروخاً من الممكن أن نعده جزءاً من برنامج فضائي؛ إذ أنه أشبه بصاروخ باليستي منه بصاروخ خاص بالاستخدام لأغراض غزو الفضاء... ولم تكن هناك صور التقطتها كاميرات آلية من داخل الكبسولة التي أقلت القرد تثبت أنه ذهب إلى حيث قيل إنه وصل.
ثم هناك بعض النقاط التي يجب ذكرها لإدراك أهمية هذا "الإنجاز العلمي الكبير" الذي تروج له أوساط سياسية وإعلامية إيرانية وأخرى، للأسف، عربية (هذا بالطبع، إن كان ما تم الإعلان عنه حقيقياً):
- أول حيوان تم إطلاقه إلى الفضاء في التاريخ (1949) كان قرداً من نوع المكاك الريسوسي؛ إذ تم إطلاقه على متن صاروخ V2، الذي وصل إلى ارتفاع 134 كيلومتراً عن سطح الأرض... القرد مات خلال رحلة العودة.
- أول حيوان يتم إرساله وإعادته بسلام إلى الأرص كان الكلبة لايكا على متن الكبسولة السوفياتية "فوستوك 2" (1957)... وصلت إلى مدار يرتفع عن سطح الأرض 212 كيلومتراً.
- عمليات الإطلاق الناجحة لحيوانات نحو الفضاء استمرت طوال عقد الخمسينيات وشملت كلاباً وقردة وفئراناً وغيرها.
- أول قمر صناعي تم إطلاقه في التاريخ (1957) كان السوفياتي سبوتنيك، تم وضعه في مدار حول الأرض بلغ ارتفاعه عن سطحها 215 كيلومتراً.
- أول رائد فضاء في التاريخ؛ السوفياتي يوري غاغارين، وصل على متن كبسولة "سبوتنيك 1" (1961) إلى مدار يرتفع عن سطح كوكبنا 169 كيلومتراً.
- الأقمار الصناعية التي توجد اليوم في مدار جغرافي ثابت (Geostationary Satellites) موجودة في مدار يرتفع عن سطح الأرض أكثر من 35 ألف كيلومتر، في حين توجد أقمار المدار الأرضي المنخفض (Low Earth Orbit) على ارتفاع 400 كيلومتر.
- محطة الفضاء الدولية موجودة في مدار يرتفع عن سطح الأرض مسافة 424 كيلومتراً في المتوسط.
- اليوم تتحرك مركبات فضائية أمريكية وأوروبية وروسية ويابانية وصينية في مدارات حول الأرض وحول كواكب وأقمار عدة ضمن مجموعتنا الشمسية... هذا، من دون أن نذكر أن مسبار "فوياجر1" الذي أطلق عام 1977 خرج العام الماضي من نطاق المجموعة الشمسية.
وبالعودة إلى إيران، علينا معرفة أن معلوماتها ليست دائماً صادقة، إذ تؤكد مصادر عدة أن مسعى إيران بشأن إرسال قرد إلى الفضاء، نهاية سبتمبر من عام 2011، واجه مشكلات فنية أدت في النهاية إلى فشل المهمة وموت القرد... والمهم هنا هو أن السلطات الإيرانية حاولت إخفاء ما حدث، قبل أن تنقل صحيفة "حريت" التركية الخبر.
أما فيما يتعلق بالنجاح المزعوم، فإننا نجد المعلومات التالية وقد نشرت في جريدة "الشرق الأوسط": " شكك علماء فضاء إسرائيليون في إعلان إيران أنها نجحت في إرسال قرد إلى الفضاء تمهيداً لإرسال إنسان... وقال رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية البروفسور يتسحاق بن يسرائيل، إن هذه «لعبة إعلامية أكثر من كونها أي شيء آخر». وقال بن يسرائيل إن إيران معروفة بقدرات تكنولوجية عالية نسبيا لدول العالم الثالث، ولكن الخطوة الإيرانية الأخيرة التي قالت إنها «خطوة كبرى في السعي لإرسال إنسان إلى الفضاء، هي ادعاء غير صحيح... فهذه خطوة عادية تتلاءم وإطلاق صاروخ إلى الجو بارتفاع 120 كيلومتراً، ولكنه ليس غزو فضاء، ولا حتى وصول إلى الفضاء بالمفاهيم العلمية والمهنية. فالمسألة لا تتعدى اللعب الإعلامي»".
رواية الجمهورية الإسلامية لا تتجاوز كونها محاولة للفت الانتباه عما تمر به على المستوى الدولي وعما يعيشه مواطنوها من مشكلات اقتصادية وسياسية... ولو افترضنا أن ما أعلنت عنه كان صحيحاً، فهو بالتأكيد "إنجاز"؛ لكن بمقاييس خمسينيات القرن الماضي، عندما كان الراديو الترانزستور أحد أكبر الإنجازات التكنولوجية في العالم.