فكرت طويلاً في الكتابة
عن هذا الموضوع، فشعار مجلة "آفاق العلم" التي أنشأتها، "القراءة
هي الخطوة الأولى نحو التغيير"، لم يأت من فراغ، فأنا على ثقة تامة بأن
أكثر ما تحتاجه مجتمعاتنا هو الانفتاح على العالم، على الآخرين وثقافاتهم ورؤاهم
ومعتقداتهم... علينا جميعاً أن نرى المجتمعات الأخرى كمصادر للمعارف والتطور وللحياة
المتنوعة الجميلة، لا بوصفها بؤراً لأعدائنا والراغبين في إفسادنا أو تدميرنا؛ كما
يحثنا رجال ادعاء الدين كل صباح ومساء، ومن على منابر صلاة الجمعة كل أسبوع.
أحد الأسباب الأساسية في المشكلات التي تواجهها المجتمعات في معظم دولنا هو التقوقع حول الكتب والمجلات والبرامج الدينية التي تتركز
أهدافها على جذبنا باتجاه الماضي وظلامه بدلاً من الإسراع باتجاه المستقبل وإشراقه
ونوره.
بالعودة إلى موضوعنا،
فما أود الحديث عنه هنا هو مجلات كان هدفها الرئيسي إثراء معارفنا وتثقيفنا وتقديم
كل جديد لنا... من ضمن تلك المجلات:
1) مجلة آفاق علمية:
كانت تصدر عن مؤسسة الأبحاث العربية (روافد) في عمان - الأردن... ثمن النسخة كان
نصف دينار أردني فقط، وكان كل شهر احتفالاً رائعاً بالمعرفة أنتظره بفارغ الصبر.
2) مجلة الصفر: كانت
تصدر عن المركز العربي للدراسات الدولية بالعاصمة الفرنسية باريس، وكان معظم
القائمين عليها من اللبنانيين... إضافة إلى أن هذه المجلة كانت رائعة علمية شهرية
لم يماثلها شيء في ذلك الوقت، فقد كانت تحفة فنية؛ في تصميمها وصورها ولغتها وكل
ما قامت بتقديمه للقراء.
3) مجلة المختار: وهي
الترجمة العربية لمجلة ريدرز دايجست الأمريكية وكانت تصدر عن مركز "إيبراك"
للمنشورات الدولية ببيروت... كانت هذه المجلة تضم مقالات عدة؛ علمية، طبية،
ثقافية، تقنية... وكانت قراءتها بالفعل متعة كبيرة.
هذه المجلات وغيرها، ازدهرت
وانتشرت قراءتها في ثمانينيات القرن الماضي... ثم انتهت واختفت... وغاب عن
مجتمعاتنا كل ما كانت تمثله تلك المطبوعات الشهرية من معارف وعلوم.
أذكر مدى السعادة التي
كنت أشعر بها عند شرائي كل عدد وعند قراءتي لكل صفحة في تلك السنوات، وأدرك غياب
هذا الأمر عن الغالبية العظمى اليوم... وبالرغم من أن هناك مجلات كثيرة تصدر الآن، فهي في غالبيتها مفرغة من الدعوة إلى البحث الفردي والتفكر والتشكيك (أو الشكوكية Scepticism)... والاعتماد
على الذات في معرفة الحقيقة أصبح غائباً بصورة شبه تامة.
هذه مجلات كانت ترمي
لإيصال المعلومة المجردة إلى القارئ، من دون ربطها بهذا الدين أو ذاك، ومن دون
العمل على إثبات صحة تعاليم هذه الثقافة المجتمعية أو تلك... كان القائمون عليها
يهدفون إلى فتح أعين الجميع على حقيقة رائعة مفادها أننا جزء من عالم واحد وأن
الفروق التي يركز عليها كثيرون هي مجرد اختلافات مختلقة كل مبتغاها الحفاظ على
امتيازات قلة تريد أن تتحكم بحياة الجميع وأن تبقى على رؤوسنا، تحدثنا بصفة الناطق
الرسمي باسم السماء وخالقها.