كم من المرات سمعنا أحدهم (وخاصة من كبار السن) يقول: "آه، لو كان بإمكاني العودة في الزمن... كم من الأمور كنت لأغير في مسار حياتي وفي اختياراتي." ربما يكون حديثه، وببساطة شديدة، متعلقاً بندمه على ارتباطه بمن هي حالياً زوجته؛ أو ربما لأنه دخل في مجال عمل لم يكن راضياً عنه أو راغباً فيه أو عدم هجرته لدولة غربية عندما كانت الفرصة سانحة له بذلك.
الأخطاء التي وقعنا فيها وتلك، التي مهما حاول آخرون، سيقعون فيها ويكررونها، من دون أخذ العبرة من أخطاء من سبقوهم، كلها تدفعنا إلى التفكير بالسؤال عن إمكانية العودة إلى نقطةٍ ما في الماضي، لتغيير شيء ما، لتحويل اتجاه الأحداث في أمر ما، ربما للتعامل مع أزمة بصورة مختلفة، أو حتى لمنع وقوع الأزمة من الأساس؛ أو للحصول على وقت أطول مع شخص أحببناه، ولم نشعر بقيمة الدقائق والساعات والأيام التي قضيناها بعيداً عنه، حتى فقدناه... إلى الأبد؛ أو ربما لتحقيق حلم ما، أجبرتنا ظروفنا على نسيانه... أو لمجرد رغبتنا في العودة إلى شبابنا، عندما كانت صحتنا في أوجها، وكنا نظن أننا قادرون على فعل أي شيء، ولم نكن ندرك أن تلك مرحلة محدودة جداً من حياتنا، سرعان ما تنتهي.
المشكلة في هذا السؤال تكمن في طبيعة الزمن نفسه؛ هل يمكننا، ولو نظرياً، العودة إلى الماضي؟ هل تسمح لنا القوانين الفيزيائية بالسفر في الزمن ذهاباً وإياباً، ماضياً ومستقبلاً؟
كثيرون يرون في الزمن مجرد وهم، اختلقه العقل البشري ليحدد مسائل تخص حياته ودورات الطبيعة المحيطة به، فمفهوم اليوم والشهر والسنة مختلف على كوكب آخر كالمشتري مثلاً، وهو مغاير تماماً بالنسبة إلى أي كائنات ذكية (إن وجدت) على ظهر كوكب يدور حول نجم آخر أو حتى في مجرة أخرى. لكن الحقيقة التي نعرفها، ووفق القوانين الفيزيائية الحالية، هي أن الزمن يمثل البعد الرابع في واقع الكون؛ ألبرت آينشتاين وضع القواعد التي تحكم فهمنا للبعد الزمني في الكون.
لكن بعكس كل ما نعرفه عن أي شيء آخر، فللزمن سهم اتجاهٍ واحد؛ هو يسير دائماً من الماضي إلى الحاضر فالمستقبل، لا توجد اتجاهات أخرى يمكن سبر أغوارها فيه... في عالمنا، يمكننا التوجه (على الأقل بنظرنا) إلى الأعلى أو إلى الأسفل، يمكننا المسير باتجاه اليمين أو اليسار أو الأمام أو الخلف (الشرق أو الغرب أو الشمال أو الجنوب)، لكن مع الزمن، يمكنك التحرك في اتجاه واحد فقط... إلى الأمام.
للإجابة عن سؤالنا؟ هل يمكننا العودة إلى الماضي؟ هل يمكن أن نغير شيئاً ما في السنوات السابقة من حياتنا؟ هنا، تتدخل أفكار آينشتاين مجدداً؛ في حالة التحرك بسرعة تصل إلى سرعة الضوء (300 ألف كيلومتر في الثانية)، ثم تجاوز تلك السرعة، يمكن أن يبدأ سفرنا باتجاه الماضي... لكن هناك نقطتان تمنعان هذا الأمر؛ الأولى أن الوصول إلى سرعة الضوء يعني أن كتلة الشخص المتحرك بتلك السرعة ستصبح لانهائية، ما يعني استحالة زيادة سرعتها، بل على العكس؛ والنقطة الثانية أن تجاوز سرعة الضوء أمر مستحيل، فهي تعد أقصى ما هو موجود على الإطلاق.
القوانين الفيزيائية، وفق ما نعرف اليوم، تؤكد استحالة السفر باتجاه الماضي، ولكنها تترك الباب مفتوحاً أمام مسألة السفر إلى المستقبل... إلا أن ذلك ليس ما نخوض فيه هنا.
الرغبة في تصحيح خطأ ارتكبه شخص ما في الماضي، أو الندم على خيار ما، أو عدم قبول مسار الأحداث في أي مرحلة من مراحل حياته... قد تكون هذه هي الأسباب، التي دفعت إلى البحث عن مخرج يريح ضميره ويصحح ما اقترفته يداه؛ مخرج قد لا يكون عبر السفر في الزمن والعودة إلى الماضي، بل عبر طلب الغفران من قوة عليا وآلهة بمقدورها أن تسامح وتطهر النفس... وبذلك، يصبح الأمر وكأنه لم يكن... لكن الحقيقة هي أن لا شيء يمكنه محو الماضي، أو دفع مسؤوليتك عن أمر ارتكبته أنت.