Sunday, November 24, 2019

عدد نوفمبر-ديسمبر 2019 من مجلة آفاق العلم






ملفات العدد: - أخبار علمية - سؤال وجواب - لصوص عصر المعلومات - آلهة عبر التاريخ - العودة للقمر.. 2024 - ذكاؤنا وذكاؤها - HiTech

يمكنكم تحميل العدد من هـــنـــا




Wednesday, September 18, 2019

أديان متشابهة.. لماذا الصراعات؟

أديان متشابهة... لماذا الصراعات؟

الرب واحـد... على الأقل بالنسـبة للأديان الإبراهـيمية الثلاثة... خـلق الكـون وحـث على فعـل الخـير وحب الآخرين... لماذا الكراهية والحروب والقتل إذاً؟

باسـم إله واحـد يصلي اليهود والمسيحيون والمسلمون ويتبعون قواعـد معيشـية محـددة، وينـظرون إلى المسـتقبل ويتوقعونه وفق ما تذكـره كـتبهم المقـدسـة... وفي أحـيان كـثيرة، هـم أيضـاً يخـوضون حـروباً ضد بعـضـهم البعـض... وفي كل مجـتمع ديني، هـناك من ينظـر إلى المجـتمع الآخـر بوصـفه العـدو، وتبحـث كـل مجـموعة من أتباع دينٍ ما عن الاخـتلافات والتضـارب بين معـتقداتها ومعـتقدات أتباع الأديان الأخـرى، في إطـار جـهود تهدف إلى الانعـزال عن الآخرين، بدلاً من البحـث عن نقاط الاتفاق والتفاهم وعن العـوامل المتشـابهة، أو حـتى المتطـابقة، بين الأديان الثـلاثة... وهـي كـثيرة.
إذا أدركـنا أن أتـباع الديانات التوحـيدية الثلاث يمثـلون قرابة نصـف الجـنس البشـري، فإن أهـمية مهمتنا تأخـذ طـابعاً أكـثر إلحـاحـاً... بداية، عـلينا معـرفة أن من الأمـاكـن المقدسة لديهم جـميعاً هناك قاسم مشترك بينها جميعاً؛ القدس ومواقع أخـرى في فلسـطين التاريخـية.
وبالعـودة إلى الكـتب المقدسة؛ العـهدين القديم والجـديد والقرآن، نجـد أن أصـل القصـة واحـد... وبتجـاوز التماثل بين قصـة بدء الخـلق والأحـداث الخـاصة بآدم وحـواء وطـردهم من الجـنة لعـصيانهم الله (أو الرب أو ياهوه أو ألوهيم)، فإننا نصـل إلى القصـة المرتبطة بالشـخـصية المـركـزية بالنسـبة لليهود والمسيحيين والمسـلمين، وهـي قصـة الرجـل الذي جـاء من نسـله كـل الأنبياء المعـروفين في النصـوص الدينية؛ وهـنا الحـديث بالطـبع يدور حـول إبراهـيم، مؤسـس فكـر التوحـيد الإلهـي، وبطريرك اليهود الأول وأبو إسـحق وإسـماعيل اللذين جاء من نسـلهما اليهـود والمسـيحيون والمسـلمون... هـذا بحـد ذاته، وفق باحـثين ومؤرخـين، من أكـبر الدواعي للأخـوة والصـداقة بين شـعوب الأديان المذكـورة.


الأمـاكـن المقدسـة للديانات التوحـيدية الثلاث... أتـباع اليهـودية يصـل عـددهم في العـالم إلى نحـو 15 مـليون شـخـص، وقد شـكلت تعاليمهم الإيمانية أول دين في سـلسـلة أديان يعتبرها أصـحابها سـماوية ذات أصـل مشـترك... تعداد أتـباع المسـيحـية تجـاوز 2.2 مـليار شـخص، وقد انتشـرت الديانة بشـكل كـبير في أرجـاء الأرض بعـد اعتناق الامبراطورية الرومانية لهـا.. أمـا الديانة الإسـلامية فقد كانت الأخـيرة في الظـهور ضـمن هذا التسـلسل ويصل أتباعها اليوم إلى نحو 1.57 مليار شـخـص.


الحـادثة الأشـهر بالنسـبة إلى هـذه الشـخـصـية الدينية هي تلك المرتبطـة بالأمر الذي تلقاه من الله فيما يتعلق بالتضحـية بابنه، وذلك عن طريق ذبحـه تأكـيداً لإيمانه بالخـالق (الصـور في الأسفل)... وبالإضـافة إلى ذلك، نجـد أنه، ووفق اعتقاد المسـلمين، قام إبراهيم وابنه إسـماعيل ببناء الكـعبة، المـكان الأقدس بالنسـبة إليهم... والحـقيقة هـي أنه انطـلاقاً من تلك اللحـظة، ظـهـرت الأديان بتعـاليم وأطـر تطـورت وتبدلت وتغـيرت؛ لتجـلب القوانين التي تحـكم تصـرفات المؤمـن في كل دين وتحـدد أسـلوب حـياته وتشـرع مـا هـو مسـموح ومـا هـو ممنوع أو محـرم، ثم تضـع عقـوبات يجـب تطـبيقـها على كـل من يخـالف تلك القوانين.


أبو الأديان الثـلاثة هـو إبراهـيم الذي تقول التوراة إنه عاش في أور جـنوب بلاد ما بين النهـرين قبل أن يسـافر إلى الخـليل بفلسـطين.. يعتقد أنه عـاش قبل ألفي عـام من المسـيح؛ إلا أنه ليس هـناك أي آثار تاريخية تؤكد وجـوده... بالنسـبة إلى الديانات الثلاث، إبراهـيم معـروف ضـمن رواية طـلب الرب بأن يقوم بالتضـحية بابنه (إسـحق في اليهودية والمسيحية، وإسـماعيل في الإسـلام) قبل أن ينجـده الله باسـتبداله بكبش.
1: إبراهـيم يهـم بذبح ابنـه في لوحة للرسام الإيطـالي أندريا ديل سـارتو تعـود للعـام 1528.
2: لوحـة تعـود للعام 1583 في العـصر العـثماني وتظـهر في جـزئها العـلوي تضـحية إبراهيم وفي السـفلي يظهـر إبراهيم وقد حـاول قومه حرقه قبل أن تجـعل مشيئة الله من النار برداً وسلاماً عـليه، وفـق مـا جـاء فـي القـرآن.
3: رسـم للحـدث ذاته من كـتاب صـلوات يهـودية يعـود للعـام 1692 يأتي من جـزيرة كورفو اليونانية.


وبدراسة النصوص الدينية الثلاثة، من السهل اكتشاف أن الشـخصيات المذكورة فيها كلها، سواء الأنبياء و المـلوك أو الصـالحين والطـالحين، متشـابهة وأن الأحـداث متماثلة، مع وجـود تباينات محـدودة في التفاصيل، تعـود بالتأكـيد إلى تباعد الفترات الزمنية التي كـتب فيها كل نص مقدس واختلف فيها الكـتبة... وبالانـتقال إلى العـلاقـة بين الديانتين الإسـلامية والمـسـيحـية، من الواضـح أن الشـخصية المركـزية؛ المسـيح بن مريم، تعـد شـخـصية مـشـتركة، حـيث أن تفاصـيل القصـة متشـابهة لأبعـد الحـدود... الطـفل يسـوع أو عيسى يولد لمريم العـذراء في بيت لحـم... في المسـيحية يعـد جـزءاً من الثالوث المقدس؛ الآب والإبن والروح المقدس، في حـين أنه بالنسـبة للمسـلمين رسـول جـاء للدعـوة إلى الدين الصـحيح وعـبادة الإله الواحـد... المسـيحيون يؤمـنون بأن يسـوع مـات عـلى الصـليب قبل أن يبعـث من جـديد وينتقل إلى السـماء، في حـين أن المسـلمين يرفضـون فكـرة الصـلب والموت ويؤكـدون أن الله رفعه إلى السـماء وأن من صُـلب شـخص آخـر "شـبه لهم"؛ ويعتقد كثيرون أنه كان يهوذا الذي خان المسيح.

قصـة المسـيح تتشـابه في أجـزاء كـثيرة منها لدى المسـيحيين والمسـلمين؛ مثل ولادته من مريم العـذراء، رغـم أن القرآن لا يذكر أي شـيء عن يوسف النجـار الذي كان خـطيبها؛ وفقاً لرواية الإنجـيل... الاخـتلاف الرئيسـي بين الديانتين بشأن المسـيح هـو نهـاية قصـته؛ إذ أن العـهد الجـديد يؤكـد أنه مات عـلى الصـليب قبل أن يعـود إلى الحـياة من جـديد، في حـين يؤكد الإسـلام أنه لم يمت بل صـعـد إلى السـماء.
إلى اليمين: لوحـة صـلب المـسيح (1769) للرسـام الألماني أنتون رفاييل منغس.
إلى اليسار: رسـم صـعود المسـيح للمؤرخ سـيد لقمان عاشوري من كتاب "زبدة التواريخ" الذي تم إهداؤه للسـلطان العثماني مراد الثالث عـام 1583.

لكـن، ورغـم الاخـتلاف الكـبير في نهـاية القصة في الكتابين المقدسين، فإن أتباع الديانتين يؤمـنون بأن المسـيح سـيعود إلى الأرض في نهـاية الزمـان؛ قبل مـدة وجـيزة من يوم القـيامة؛ إذ أن المسـلمين يعـتقدون بأنه سـينضـم إلى المهـدي المنتظر في حـربه ضـد المسيح الدجال... وبعد موت المهدي، سيتولى عيسى القيادة وستحل العدالة ويسـود السلام في أرجـاء الأرض... وبصـورة مشـابهة، يعـتقد المسـيحـيون أن يسـوع سيرجـع في آخر الزمان لينشئ حكمًا يبلغ فيه الملكوت ذروته ويصل في نهـايته إلى قيامة الموتى وانفتاح العالم المؤقت والدنيا الفانية على الأبدية والخلود.

وبالنظـر إلى تعـاليم الأديان الثـلاثة، فإن الحـقيقة هي أنها كـلها تحـض على الالتزام بالأخـلاق الكـريمة ومسـاعدة المحـتاجـين والزهـد فيما يتعـلق بمتطـلبات الحـياة والبحث عن العـدالة والمسـاواة والتكـافل والتضـامن الاجـتماعيين في مجتمع كل منها حصرياً، وتحـث على اتباع قاعدة ذهبية هي: "أحب لجـارك (أو لأخيك) ما تحـب لنفسـك"... والواقع الذي نتعرف عليه من دراسـة كل ما تركه لنا التراث الديني عبر العصـور هـو أن الفكر التوحيدي هو ذاته... إذاً، لمـاذا هـذه الخـلافات وهذه الكـراهـية التي أفضـت إلى خـلق هـذه الصـراعـات والحـروب المـتواصـلة منـذ قرون طـويلة، والتي لا يـبدو أنها تقـترب من نهـايتها؟
الإجـابة الأقصـر عـن هـذا السـؤال هي: الإنسـان... حـيث أن الطـبيعة البشـرية تفرض الرغـبة في الحـصول على السـلطة والثـروة، وهـذا يعـني ضـرورة ادعـاء كـل شـخص وكل قائد أو زعـيم ديني احـتكار الحـقيقة، وأنه يعـرف الطـريق الصـحيح ويفهـم مـا يريده الله من الإنسـانية... والسـبيل إلى الحـصول على السـلطة التي يوفـرهـا هـذا الادعـاء هـو إقـناع أتـباع ديـنه بأنهم يمثـلون الخـير في هـذا العـالم وأن معـتقدات الآخـرين خـاطـئة وأن من له دين مخـتلف سيكون مدافعـاً عـن الشـر والفكر المظلم وسيرغب في إلحـاق الأذى والضـرر بالفكـر السـليم وأصـحابه... هـذا الأسـلوب حـوّل الأديان إلى سـلع، كل حـاخـام أو راهـب أو إمـام يريد بيعهـا ليزيد أرباحـه وأرباح قومـه ويضـيف إلى سـلطاته ويمنحـه مـزيداً من الغـنى والثراء، إذ أن أعـداد المنضـمين إلى المسـيحية، وفق بعض قادة الدين المسـيحي، تشـكل سـلاحـاً يمكـن اسـتخدامه لمحـاربة المسـلمين، وكـلما ازداد عـدد معتنقي الإسـلام، كلما صـوّره الزعماء الدينيون على أنه ذخـيرة يمكـن اللجـوء إليها لقـتال المسـيحيين واليهـود... وقد كانت هـذه طريقة ناجـعة على مر الزمان لتحـويل أنظار العامة عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها، من دون حتى البحـث عن حـلول ممكـنة لها... على الجـانب الآخـر، كان إصـرار مـمثلي الأديان ومدعي العـلم بها على رفض التغـيير والتطـور والتأقـلم مع الظـروف الحـياتية المتغـيرة، ومحـاربتهم للأفكـار العـلمية والنظـريات الحـديثة، دافعـاً آخـر لهـم في الحـض عـلى محـاربة أصحاب تلك الأفكار وتصويرهم عـلى أنهم الأعـداء الجدد الذين يريد الله منا أن نقاتلهم. 

إياد أبو عوض

Saturday, July 20, 2019

أكبر من الحياة


نحن نحب كثيراً الأمور "الأكبر من الحياة".. ونصر على أن تلك الأمور موجودة.. لا أعرف لماذا.. لكننا جميعاً بدأنا حياتنا أطفالاً، وربما يساهم ذلك في تفسير المسألة.. كونُنا الطفولي كانت تحيط به الأم والأب، اللذان كانا أقوى بكثير منا وامتلكا قدارت كان حجمها غامضاً بالنسبة إلينا، لدرجة أنها كانت فعلياً لا نهائية.
كنا نتوجه إلى والدينا للحصول على الراحة والحماية، وقد تكون خيبة الأمل الكبيرة الأولى في حياتنا هي إدراك أنهما في نهاية المطاف ليسا أكبر من الحياة.. كلما كبرنا في العمر، وازدادت قوتنا (وربما حكمتنا)، كلما أصبح من غير الممكن لنا تجنب الوصول إلى تلك النتيجة، على مضض.. مهما حاولنا رفض رؤية الحقيقة؛ فإن والدينا سيكبران في العمر وسيشيخان وتضعف قوتهما، وسيضطران إلى الاعتماد علينا، وبعد ذلك، قمة الخيانة بالنسبة إلينا؛ سيموتان، حتى لو تجنبا الوقوع في حوادث، وبغض النظر عن محاولاتنا للعناية بهما.. لا يمكننا استبدالهما.. لا أحد في العالم يمكن أن يكون مثل الأم والأب اللذين عرفناهما في طفولتنا.. لكن، أيضاً لا يمكننا الحياة من دونهما، ولذلك نعتمد على خيالنا.
أتساءل: الآلهة، التي اخترعها البشر وأعدادها لا تحصى، إلى أي مدى تدين بوجودها إلى الرغبة الملحة في امتلاك آباء وأمهات أبديين وأكبر من الحياة، ولا يخونون دورهم بأن يسقطوا في حالة العجز والموت، كما يحدث للوالدين البشرييْن؟
الآلهة تكبر لتصبح مع الزمن كاملة الأوصاف، وتنأى بنفسها عن الإنسانية، إلى أن تصل النقطة التي تتحول عندها إلى خيال.. ولأغراض التأليف الأدبي، تصبح أنصاف الآلهة مُرضيةً أكثر؛ فهي أكبر من الحياة، نعم، لكن ليس للدرجة التي تحول دون شعورها بالألم والهزيمة من وقت لآخر.. هي أكبر من الحياة، لكنها جزء منا؛ تشبهنا.. (حتى أن الآلهة كانت أكثر شعبية عندما كانت تشبه البشر لدرجة معاناتها من الموت؛ حتى ولو مؤقتاً - مثل بالدُر ]إله الضوء والصفاء في الأساطير الإسكندنافية[، وتمّوز ]أحد حارسيْ بوابة السماء لدى السومريين[، وأدونيس ]شخصية مركزية في معتقدات ساميي بابل وسوريا واليونان القديمة[ وغيرهم.. للتأكيد، كانت لهذه الشخصيات رمزية تتعلق بموت النباتات في فصل الشتاء، لكن لمسة الإنسانية لديها والمتمثلة في موتها جعلتها محببة لمن يعبدونها، وقيامتها بعد ذلك من الموت منحت أتباعها أملاً بأن الموت يمكن الانتصار عليه في نهاية المطاف، وبأن الفراق الذي يتسبب به الموت قد لا يكون دائماً).
القصة الملحمية الأولى التي نعرف عنها تعود إلى نحو خمسة آلاف عام مضت، وهي من أصول سومرية.. إنها حكاية غلغامش، ملك مدينة أوروك، الذي كان أكثر قوة وجرأة من أي إنسان.. هو شخص يمكننا أن ننسب إليه أعمالأ أعظم من أن يقوم بها إنسان، ومغامرات أكبر من أن يخوضها إنسان، ومعاناة أكبر من أن يتحملها إنسان.
كل حضارة تخلق بطلها الخارق الخاص بها.. الإغريق كان لديهم هرقل، العبرانيون كان لديهم شمشون، الفرس كان لديهم رستم، الأيرلنديون كان لديهم كوخولين.. كل منهم شق طريقه في عالم عدائي بالاعتماد على قوته العضلية، التي كانت تعوض عن قلة ذكائه.. ومن حين لآخر، عندما تكون الحكمة "الأكبر من الحياة" مطلوبة، كانت تظهر من خلال معارف مرتبطة بالسحر، كما كان الحال مع ميرلين من ويلز، أو فايناموينين من فنلندا.. وبغض النظر عن مدى نجاح حكايات السحرة والمحتالين، لم يكن هناك شيء يحرك القراء مثل الرجال ذوي العضلات القوية؛ كانت ضربة السيف السريعة هي الأكثر أهمية.. ربما لأن القارئ العادي يشعر برابط أفضل بوجود العضلات القوية في القصة، مقارنة مع العقل الذكي – كان هناك احتمال أن يطور الإنسان شيئاً مشابهاً للقوة العضلية، لكن الذكاء لم يكن أساسياً.. على مر التاريخ، كان الأبطال "الأكبر من الحياة" ذوو العضلات القوية يواصلون غزوهم للمجالات الأدبية.. في العصور الوسطى، كان لدينا الملك آرثر وفرسانه، بمعية لانسيلوت المنتصر دائماً، يمثلون قمة الشهامة والفروسية؛ والتي لم تكن أبداً موجودة في الواقع.. وكان هناك الملك شارلمان ومناصروه، الذين تقدمهم قائده العسكري رولاند.. ثم جاء اليوم، الذي حكم البارود فيه العالم، لتصبح العضلات والدروع من دون فائدة؛ عندما أمكن لشخص جبان، بعضلات ضعيفة، بائس من عائلة وضيعة، أن يستهدف السير لانسيلوت ويسقطه أرضاً بثقب فُتح في صفيحة الدرع بمنطقة الصدر.. واحسرتاه على الخيال البطولي.. آه لو لم يمت هذا الخيال!
الأدب المعاصر يعوّض ذلك الموت بإعطائنا مواصفات مضخمة بأنواع متعددة.. مازالت لدينا روايات الألغاز الخاصة بأبطال "أكبر من الحياة" – من أمثال شيرلوك هولمز وإيركول بوارو.. لدينا البطلات والأبطال "الأكثر جمالاً من الحياة" في القصص الرومانسية، ولدينا أخطار "أكثر إخافة من الحياة" خاصة بروايات القوطيين Gothics والقصص المرعبة، ... إلخ.. حتى أننا بتنا نستخدم البارود بهدف اختراع أبطال "أسرع من الحياة" من زمن الغرب الأمريكي القديم Wild West؛ قادرين على إصابة العدو الشرير حتى بعد أن يسمحوا له بأن يستل مسدسه أولاً.. لكن لا شيء يغني عن العنف بشكله المباشر.. في كل نوع من الآداب المكتوبة، ينتهي بنا المطاف إلى مشاجرات بالأيدي – نوع من أنواع القتال، التي نادراً ما نشهدها في حياتنا اليومية.. المحققون يقاتلون، أبطال الغرب الأمريكي يلقون اللكمات، العشاق في القصص الرومانسية ينخرطون في استعراضات ملاكمة.. هذا حقيقي بشكل خاص في التلفزيون وأفلام السينما، إذ لا تترك هذه الأمور أي كدمات على الوجه ولا شعراً منفَّشاً، بالرغم من أن صوت ضربات العظم على العظم قوي جداً.. لكن حتى هذا لا يكفي؛ مازلنا نريد العودة إلى أيام ما قبل البارود؛ عندما كانت هناك حاجة للعضلات ذات الرأسين Biceps لرفع السيوف الكبيرة، وعندما كان على البطل العثور على طريقة ما لهزيمة الشعوذة والمشعوذين باستخدام قوة عضلاته لا غير.. لماذا إذاً لا نكتب القصة؟ من غير الضروري أن تكون من عالمنا الحالي، صحيح؟ قد تكون من الماضي.. في حقيقة الأمر، لا يجب أن تكون من الماضي الحقيقي، الذي سيقيد القصة (ولو بالحد الأدني) بحقائق تاريخية معروفة.. علينا خلق عالم من زمن حضارة العصور الوسطى مغمور في بحر من الهمجية والبربرية، لنبعث هرقل من جديد.. لديك "السيف والشعوذة".. لديك "البطولة الخيالية".. تحصل مجدداً على كل أحلامك.. أو يمكنك إضافة بعض البهارات إلى "الخلطة".. يمكنك إضافة لمسة من العلوم المتقدمة، شيء بسيط من المفارقات التاريخية المتعمدة، وبعضاً من الفكاهة الساخرة.. الاحتمالات لا نهاية لها، والفرص أمام الخيال الحر لا حدود لها.

إسحق آسيموف - 1989
ترجمة: إياد أبوعوض

Saturday, July 6, 2019

When did we start talking about sub-$1000 phones as cheap?



After the era of iPhones ranging in prices from $399 to $699, or a little bit more, and the Samsung Note ranging from $599 to $699 (which was not cheap at all, and is not now), we suddenly found ourselves thrown in a new invented era called the ultra $1000 phones. Not only that, but we now have a new category, which was not present a few years ago, which is sub-$1000 smartphones.



In the more “reasonable” pricing times, there were the newest devices and those that were more economical. Then appeared the flagship term, which meant that companies would start to create two different categories of a phone, a higher-end one (which was expensive) and an average one (which looked a little bit the same, but with lower specifications).


After that, we started hearing a new term; mid-range phones; and again, this meant that a third category was created: We had the flagship, the mid-ranger, and the “cheap” phone. What really happened is that companies, like Apple, Samsung, LG, and others, moved the pricing higher; giving the original flagship prices to the mid-rangers, and the price of the mid-rangers to the economical ones, which gave the managers of those companies the chance to present us with flagships that were nearing the $1000 point, such as the Samsung Galaxy S8 and Note 8 (min $899 and $930 respectively), and the iPhone 8 and 8 Plus (min. $700 and $800).


Finally, we could clearly see the evil master-plan as it was laid down on us when the latest flagships were released, now phones cost more than $1000, this is how it is. What about mid-rangers? Well, they cost between $600 and $750, and cheap phones? Well, they can be anything less than that, it depends.



My question is: When did $600 and $750 become the equivalent of an “average” phone? And when did it become “normal” to spend $1000 or more on a phone? And Why? And How?



Monday, April 29, 2019

Time travel to the past – is possible




It has been a dream of many scientists and science fiction writers for generations, imagined in books and stories written and transformed visually in a huge number of cinematic films and TV series; the possibility to leave your present point of reality to go and visit some other point in the future, or even better, to see some event in the past.

Don’t you want to see how the world is going to be in a 100 years from now, in a thousand years, or perhaps more than that? Don’t you want to know which civilization will outlast which other culture? Surely, many of us would be happy to see if we will conquer the moon (once again), if we will build colonies on Mars or other planets? Who does not want to see the world cup finals of the next 10 tournaments? But most of all, who does not want to know if the human race will go on for another millennium or not? And if not, why?

On the other side, how amazing and adventurous, not to mention informative, would it be; to have the ability to go back and re-witness something from your past, maybe to correct some bad actions or decisions, to save a person who was dear to you from an accident, or to take a different path in any life changing choice? Wouldn’t it be great to check your old childhood home, to see your mother and father again, and while they were still alive, talk to them one more time? How would it feel to do things in the past using the knowledge you gained through the years after that?

Maybe someone wants to go and undo some harm that he might have inflicted on another person, or he wants to confess his feelings to a girl he never loved anyone else after, or maybe he just wants to hug someone and experience once again the warmth that he felt some years or decades ago.

While we, in our real lives, can move in any direction we choose: right or left, forward or backward, up or down, with time it is quite different. Time moves only in one direction: past – present – future, and we do not know of any way to alter this fact.

According to modern physics and to what Albert Einstein’s theory of Special Relativity tells us, time travel to the future is a valid possibility; a traveler could, for example, move 10 thousand years into the future and age only one year during that trip, even though such a voyage would require a huge amount of energy. The problem remains in the aspect of traveling to the past; to do that we need to move faster than the speed of light, which is by itself impossible according to our knowledge and to that of Einstein himself.

But who talked about creating a machine to be able to travel to the past? Human beings are constructed with a machine capable of going back in time, built-in within them, from the beginning. We all have this machine, and nearly no one ever thought of considering it as such. You can use this tool and travel back to any point in your passed years, re-see it, re-witness it, re-live it. This machine is called memory, a function of all our brains, that saves in all the moments we live, some we forget for a while, but as soon as there is some kind of stimulant, it pops up again. The stimulant can be a smell, a sound, a photograph, a drawing, or anything else that digs out a certain memory that up till that moment, we thought it was lost.

You can be again with a person that was taken from you, talk to them, rewind that conversation you had with them before the end came; you can close your eyes and let the whole recording run in your mind, with all its images, sounds and voices, and all its events. You can feel that warm kiss and nice words you heard from someone you cannot physically contact anymore, you can cheat death and re-live those important moments that you mistakenly thought were gone.

Our memory is the magical answer to all the questions of the writers and the thinkers, it is the only way, we know of, that can allow us to travel back in time, and witness again what we thought was lost forever.

Saturday, March 2, 2019

كوارث.. في الدول العربية


كوارث.. في الدول العربية


كلما نشهد حالة من الكوارث المرتبطة بالمواصلات (مثل حوادث القطارات المتكررة في مصر بسبب الاستهتار والإهمال وغياب الصيانة والفساد) أو بالأحوال الجوية التي تجلب فيضانات (مثل ما شهدناه في الأردن ومصر، أيضاً بسبب الإهمال وسوء أوضاع البنية التحتية وغياب الصيانة و.... الفساد)، ألا يجب علينا أن نتساءل: كيف يمكن لهذه الدول أن تسعى وتؤكد حقها في امتلاك مفاعلات نووية لإنتاج الكهرباء؟
إذا كان الأمر - ومع ارتباطه بتقنيات غير خطيرة وليست معقدة مقارنة مع عالم الطاقة النووية - يؤدي إلى وقوع حوادث بالعشرات وفي كل المناسبات، ما يسفر عن سقوط ضحايا ومصابين، فضلاً عن الدمار الذي يلحق بالمباني والمؤسسات العامة والمساكن والمحلات التجارية، فكيف سيكون الحال مع منشآت تتطلب مستويات قصوى من التعقيد في الهيكلية والدقة في التعامل والحرص في تتبع إجراءات الأمن والسلامة، كما هو الحال مع المنشآت النووية؟
ما الذي سيحدث عندما يتم الإعلان، "بكل فخر" في مصر أو الأردن أو غيرهما، عن إنشاء محطة نووية؟ بعد الاحتفالات بهذا الإنجاز والندوات التي ستعقد حول حكمة القيادات في تلك البلدان التي وضعتها في مصاف الدول المتقدمة التي تعمل على توفير الطاقة للمواطنين والاستغناء عن المشتقات النفطية.. بعد كل ذلك، ما الذي سيحدث؟ في دول أهم جملة يتناقلها الجميع ومن دون استثناء هي "أوكل الأمر لله"، على أمل أن الخالق سيضع الظروف التي تضمن أن يسير كل شيء على ما يرام، بالرغم من الفساد والإهمال والاستهتار بحياة البشر وغياب ظروف الحياة الكريمة.. ما الذي سيحدث؟
إن كان البعض يرى أن ما شهدناه في مصر بسبب حوادث القطارات أو في الأردن بسبب الفيضانات، هو كارثة وطامة كبرى، فما الذي سيقوله الجميع عند وقوع كارثة في منشأة نووية بسبب إهمال موظفين أو عدم التزامهم بإجراءات السلامة أو بسبب عدم وصول الأموال اللازمة لتنفيذ أعمال الصيانة في الوقت المحدد أو عندما تبدأ عمليات السرقة والنهب العام؟
علينا جميعاً أن نفكر: هل فعلاً نريد أن ندخل عالم الطاقة النووية؟ ألا تكفينا مصائبنا بوضعنا الحالي البعيد عن التعقيدات التكنولوجية والتطور في مجالات مثل الطاقة؟

Sunday, February 17, 2019

مسيرون أم مخيرون؟

مسيرون أم مخيرون؟
في مفترق الطرق القدري، من یحدد  الاتجاه الذي سوف یسلكه كل منّا؟

مفهوم "القدر" عاش معنا منذ بدء التاريخ البشري.. خاض فيه الفلاسفة، اللاهوتيون، العلماء، والسحرة.. ألهم الكثير من التراجيديات اليونانية والروايات.. له كذلك دور في حياتنا اليومية؛ فمَن منا لم يقل يوماً: "كان أمراً مكتوباً ومقدراً"؟ لكن البعض يؤمن بحريته الكاملة من دون وجود أي تأثير لما يسمى بـ"القدر".

قد تحمل كلمة "القدر" معاني مختلفة لأفراد وشعوب وحضارات مختلفة.. بالنسبة للقدماء، الذين لم یتمكنوا من التوصل إلى تفسیرات تعتمد على آلیة السببیة (أي وجود سبب یؤدي لظھور الأثر) حول الظواھر الطبیعیة والأحداث المرتبطة بالإنسان، كان القدر، أو المستقبل، مرتبطاً بآلھة متقلبة المزاج؛ آلھة لا یمكن التنبؤ بتصرفاتھا.. وكان الأسلوب الوحید لتوقّع المستقبل ھو تفسیر الأحلام، ربط أحداث معینة بتحركات الطیور في السماء، أو حتى ربطھا بتصرفات الكلاب.. الغریب في الأمر أن بعض ھذه المظاھر التي تعود إلى مراحل طفولة الجنس البشري لا تزال حتى الیوم قائمة؛ من أعمدة "حظك الیوم" أو "برجك" في الجرائد والمجلات إلى قراءة الكف والفنجان وغیرھا.


عملیة اختیار العصي للتنبؤ بالمستقبل (Chi-Chi).. في هذه اللوحة التي تعود إلى العام 1840، كان الصینیون یحاولون أیضاً ترجمة النتوءات على قوقعة السلاحف والتي جاءت منھا الرسومات الأولى الخاصة باللغة الصینیة.


على الجانب الآخر، ھناك مَن یعتقد – بشكل قطعي – بأن الإنسان سید نفسه وأنه مسؤول عن كل ما حدث في ماضیه وما سیحدث في مستقبله؛ أي أن خیاراته ھي التي توصله إلى أیة نتیجة قد یصل إلیھا.. ففي الوقت الذي یؤكد فیه أصحاب ھذا الرأي عبثیة فكرة القدر، ھناك من یعتقد أن الحریة الكاملة في حیاة الإنسان ھي مجرد وھم؛ إذ توجد عوامل اجتماعیة تحكم خط سیر الإنسان منذ ولادته، وھناك عوامل فسیولوجیة (الـ DNA مثلاً) تحدد خصائل الفرد الشكلیة والباطنیة.
ھنري فورد وُلد لعائلة متواضعة من المزارعین، إلا أنه تمكن من تأسیس امبراطوریة عالمیة لصنع السیارات Ford Motor Company.. تحول فورد بذلك إلى مثال حقیقي لما یسمى بـلحلم الأمریكي".. واعتماداً على ھذا المثال، یرى كثیرون في الولایات المتحدة وحول العالم أن أي شخص یمكنه استخدام عمله وقدراته من أجل خلق قدره بنفسه.
ما ھو احتمال تمكننا من تغییر الظروف التي نولد بھا ومعھا؟ وما ھي أنواع المجتمعات التي تسمح لنا بذلك؟

الدیمقراطیة
المجتمعات الدیمقراطیة ھي الوحیدة في السماح للأفراد باختیار قدرھم بأنفسھم؛ فلھم الحق في اختیار العمل الذی یریدون، اختیار مكان السكن، اختیار شریك الحیاة.. وھي خیارات غیر مفتوحة في المجتمعات المغلقة، التي لا تعتمد النظام الدیمقراطي بكلیته في حیاتھا السیاسیة والاجتماعیة.
الدیمقراطیة تسمح بأكبر قدر من الدینامیكیة الاجتماعیة.. المجتمعات المغلقة تعتمد على أطر تقسم المجتمعات إلى طبقات على أسس ھي في معظم الحالات دینیة؛ مثل نظام Caste في الھند أو الأنظمة التي لا تعطي الطبقة الاجتماعیة الخاصة بالأقلیات غیر العربیة أو غیر المسلمة حقوقا متساویة مع الأغلبیة في بعض الدول العربیة.. لكن في الھند، تم إلغاء العمل بنظام الطبقة الاجتماعیة، الذي كان یعني تحدید القدر والمستقبل لمن یولد في عائلة ما.


التأثیر الخارجي: قوانین المجتمع الذي نعیش فیه قد تؤثر بشكل مباشرعلى قدر الفرد؛ عمله، واختیاره لشریك حیاته.
النظام الذي یترك مجالاً أوسع 
للاختیار الحر ھو النظام الدیمقراطي.
في الأعلى، نظام الطبقة الإجتماعیة في الھند Caste ھو المحدد لقدر الفرد طبقاً لمستوى الأبوین.


السلطة الأبویة كانت (ولا تزال في بعض الدول) ھي المحرك المركزي وصاحبة القرار في كل ما یخص توجيه حياه الأبناء نحو مسارات معینة أو إجبارھم على تغییر المسارات التي لم یرغب الآباء في أن یسلكھا أولادھم.. أما فیما یخص البنات، ففي العدید من الحالات، وضعت تفسیرات دینیة متشددة حدوداً على أقدارھن.. فدورھن محدد بالواجبات الزوجیة والأمومة فقط، من دون اعطائھن حتى إمكانیة التعبیر عن رأیھن في القرارات المصیریة في حیاتھن.
إذا نظرنا إلى الحالة الاجتماعیة، نجد أن مستقبل أبناء العائلات الغنیة كان مضموناً دائماً، فھناك الدراسة والعمل والمركز الاجتماعي والمسكن المناسب وكل متطلبات الحیاة الكریمة؛ في حین أن حیاة أبناء العائلات الفقیرة كانت دائماً صورة مكررة لحیاة آبائھم وأمھاتھم في مشقة الحصول على المأكل والملبس والمسكن.. ھذه العوامل ھي حقائق كانت موجودة في مجتمعات الماضي وفي الكثیر من المجتمعات في یومنا ھذا.
أما في المجتمعات الصناعیة الیوم، فأساس التطور والتغییر في حیاة الفرد یعتمد على مقدار العطاء الذي یقدمه في عمله.. عندما كان القادمون الجدد یصلون إلى القارة الأمریكیة، تم خلق نظام جدید للتطور ألا وھو مشروع المبادرة الفردیة؛ ما أوصلنا الى مفھوم "الرجل العصامي" أي الذي صنع نفسه بنفسه Self-made man.. في المجتمعات، التي تخضع لأنظمة شمولية، نجد أن وظائف الأبناء تحكمها علاقات الآباء، وفي حالات كثيرة، يسلك الابن مسار الأب في العمل أو في أخذ نفس مكان العمل.. في بعض الحالات، يرث ابن رأس الدولة والده لسبب بسيط، ألا وهو أنه ابنه. 

التعلیم
في عالمنا الیوم، یلعب التعلیم دوراً في غایة الأھمیة في فتح أبواب أصبحت مغلقة تماماً أمام الأمیین أو ذوي مستویات الثقافة المتدنیة.. واحد من أھم ھذه الأبواب ھو، بطبیعة الحال، معرفة لغة ثانیة أو ثالثة.
بعد ذلك نجد أن الدرجات العلمیة أصبحت توفر إمكانیة التطویر الذاتي والتقدم في مجال العمل.. إلا أن أھم نوع من أنواع التعلیم ھو التعلیم الذاتي؛ أي استمرار الرغبة في المعرفة والاطلاع والمتابعة للتقدم والإنجازات في مجال الدراسة الأصلي وفي مجالات أخرى.. فلنتخیل شخصاً أنھى دراسته الجامعیة عام 1990 في مجال ما، ووجد عملاً جیداً یتناسب مع دراسته، إلا أنه انقطع عن القراءة والاطلاع في مجاله أو في المجالات الأخرى ذات العلاقة في السنوات التالیة.. بالتأكید، بوصوله إلى عمر الأربعین (في عام 2008 مثلاً)، ستصبح كل معلوماته من الماضي، وإذا لم یقم بمتابعة التطورات في حقله، فإنه سیتحول إلى عبء على الشركة أو المنظمة التي یعمل فیھا.. ولیس من المستغرب أن یتم الاستغناء عنه.. إذا علمنا أن متوسط عمر الإنسان یتراوح بین 65 و 80 عاماً، فكیف یمكننا الاعتقاد أنه أمر طبیعي أن لا یتعلم الإنسان شیئاً جدیداً بعد السن التي یكون عندھا قد أنھى دراسته الجامعیة؛ أي حوالي الثانیة والعشرین، سوف يعني ذلك انه لن یضیف إلى معلوماته شیئاً جدیداً طوال 43 إلى 58 عاماً؟

DNA
یخفي الحمض النووي كل أسرار القدر لكل شخص منا: الصحة والمرض، الشخصیة والمیول الإجرامیة.. قَدَر من الممكن فك شیفرته منذ لحظة حصول الحمل.. إلا أن بیرتران جوردان Bertrand Jordan رئيس الأبحاث في مركز (CNRS) Centre National de la Recherche Scientifique في فرنسا یؤكد أن ھذا لیس صحیحاً؛ فالأبحاث تبرھن كل یوم أن العامل الرئیسي ھو البیئة التي یعیش فیھا الإنسان وأسلوب حیاته في ھذه البیئة.. "حتى الطول والوزن لا یتم تحدیدھما من قبل الجینات فقط".
لدراسة ھذا الجانب، توجه الباحثون الى دراسة التوائم المتماثلة Identical Twins ووجدوا أنه عند تقدمھما في العمر یكون وزن كل أخ مختلف عن وزن الثاني، ما یشیر الى أن أسلوب حیاة كل منھما كان له تأثیر مختلف على طریقة عمل الجینات الموروثة.. الأمر نفسه ینطبق على إمكانیة الإصابة بالسرطان والسكري أيضاً.

الکون
في الثالث عشر من أبریل 2029 ، سیمر كویكب ضخم بحجم استاد ریاضي على مسافة 35 ألف كیلومتر "فقط" من الأرض؛ أي أقرب من العدید من الأقمار الاصطناعیة، إلا أنه لن یصطدم بكوكبنا.. في الرابع عشر من سبتمبر 2099، سیقع آخر كسوف للشمس في القرن الحالي وسیغطي الظلام كندا والولایات المتحدة.. ھذه التنبؤات مصدرھا وكالة الفضاء الأمریكیة NASA وھي مؤكدة تثبت، في الوقت ذاته، وجود مستقبل "مكتوب" بالفعل یمكن للعلماء فك شیفرته بواسطة معادلات ریاضیة معقدة وبمساعدة أجھزة كمبیوتر متفوقة.. لكن ھل كل الأمور الخاصة بكوننا مثل ھذه؟
الحقیقة أنه من غیر الممكن توقع كل الأحداث بالدقة ذاتها، فكما أكد عالم الریاضیات الفرنسي ھنري بوینكاریه Henry Poincaré، فإن تغییراً بسیطاً في العوامل الإبتدائیة لإحدى الظواھر الجویة قد یؤدي في نھایة المطاف لإیصالنا إلى حالة جویة مخالفة تماماً لما تم توقع حدوثه مسبقاً.. كذلك نجد أنه في عالم الجسیمات الذریة المتناھیة في الصغر، لو تمكنا من معرفة موقعھا في لحظة ما فإننا لن نعرف "ما الذي تفعله" في اللحظة ذاتها.
إذاً، الطبیعة تضع حدوداً لقدرتنا على معرفة تصرفات الجسیمات الذریة، وبالتالي لا تسمح لنا بتوقع المستقبل بكلیته.

المشعوذون
في كل مراحل التاریخ الإنساني، كانت ھناك رغبة في معرفة ما یخبئه القدر للفرد أو للمجتمع أو للدولة ككل.. لھذا ظھر المشعوذون والدجالون الذین كانوا یتظاھرون بمعرفتھم بأسالیب التنبؤ بالمستقبل.. بعضھم حاول ربط الظروف الطبیعیة التي تسبق كارثة معینة لكي یتمكنوا من توقعھا في المرات اللاحقة (أي أنھم كانوا یعمدون الى خلق نظام عملي زائف یشبه الطریقة العلمیة المعروفة لنا الیوم).. في حین أن البعض الآخر قام باختلاق طرق أخرى لا أساس لھا من الصحة في توقع المستقبل.. في بعض الحالات، كانت توقعاتھم تتحقق (ولو جزئیاً)، إلا أنه طبقاً لقوانین الاحتمالات التي نعرفھا الآن، العدد الأكبر من توقعاتھم لم یتحقق.. من ھذه الطرق نجد التنبؤ باستخدام لھب النار، أو باستخدام الماء.. ثم كان ھناك التنبؤ باستخدام الحیوانات والطیور.. ثم تطورت الأمور، واتجه المشعوذون للتطلع إلى السماء وقراءة المستقبل من تحركات النجوم والكواكب، هذا فضلا عن قراءة الكف أو استخدام ورق اللعب.. بعض ھذه الظواھر لا یزال موجوداً حتى الیوم.


منذ بدء البشریة، نظر الإنسان الى السماء لیلاً وحاول فھم تحركات الأجرام السماویة.
في معظم الأحیان، كان یحاول فھم التحركات من أجل التنبؤ بالمستقبل.
الیوم یمكن للعلم التنبؤ بتحركات الأجرام السماویة لعشرات السنین، لكن من غیر الممكن ربط ھذا بقدر الإنسان.


الواقع ھو أن البحث عما یخفیه المستقبل ھو عامل مزروع في طبیعة الإنسان الخائف من الغد والراغب في حمایة نفسه وأفراد عائلته من المخاطر التي لا یعرف عنھا بعد.
لكي یتمكن أي مجتمع من التخلص من ھذه الظواھر، علیه ألا یركز على محاربة المشعوذین والدجالین أولاً، بل علی تثقیف أفراده بأسالیب منطقیة، علمیة، وطبیة، وأن یوضح لھم أن الإجابات الصحیحة تأتي من ھذه الأسالیب فقط.

المقال نشر للمرة الأولى في العدد رقم 18 من مجلة آفاق العلم عام 2008.

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...