Friday, October 2, 2020

ليس مثل كل يوم - 3


يصل سامي إلى الجانب الآخر من الشارع، ويقف أمام مبنى كبير مدخله وراء سلالم رخامية.. ينظر إلى المدخل، ويفكر بصوت عال: "لم لا؟ لا يوجد ما يمنعني من الدخول.. سأحل مشكلاتي.. لم لا استغل هذا الوضع! لن يتضرر أحد، لا يوجد أحد ليتضرر مما سأفعل.. أنا الوحيد هنا".

يدخل إلى مبنى المصرف الأكبر في مدينته، يتحرك بخطى بطيئة في قاعته، ينظر في كل زاوية من زوايا المكان.. يتوجه نحو غرفة الخزنة، حيث المبالغ النقدية.. الباب مشرع، والخزنة مفتوحة والأموال أمامه كثيرة، بعملات مختلفة.. يبتسم، ويبدأ في البحث عن كيس أو حقيبة لكي يعبأها بالنقود، يجد حقيبة مشابهة لتلك التي فقدها في الشقة قبل قليل.. يأخذها ويبدأ في وضع الأموال فيها، ثم يضع بعضاً في جيوبه، يأخذ الكيس المستخدم لسلة القمامة ويقوم بملئه أيضاً.. ثم يغادر.

الفكرة الوحيدة التي تدور في ذهنه الآن هي ضرورة الوصول إلى زوجته، ليبلغها بالخبر السار، الآن لديهما ما يحل كل المشكلات، ويجلب السعادة مجدداً إلى حياتهما، لا خوف من الغد، ولا قلق من تلقي مكالمة هاتفية من الدائنين، ولا تعليقات سخيفة أخرى من عائلة منى.. بهذه الأموال، سيتحررا من كل قيد، وسيتمكنان من العيش براحة واطمئنان.. لكن هل ستكون منى في البيت بانتظاره؟ لماذا لا تكون قد اختفت، كما حصل مع كل الآخرين؟ ماذا لو لم يجدها أو يجد ابنه وابنته؟ ما فائدة هذه الأموال إذن؟

يسارع إلى الخروج، يجب أن يصل إلى بيته.. بأي ثمن.. يحاول فتح إحدى السيارات على جانب الطريق، واحدة تلو أخرى، حتى يجد باب إحداها مفتوحاً، يركب ويبحث عن المفتاح، يجده في قفل السيارة، وكأن شخصاً كان يهم بالتحرك، قبل وقوع ما حدث.. يشغل السيارة، ويقودها باتجاه البيت.. تتسارع دقات قلبه، فبوصوله إلى المنزل، هو على ثقة من أن كل شيء سينتهي ويعود إلى طبيعته..

أخيراً، وصل.. يخرج من السيارة حاملاً ما جلبه من البنك، وينطلق نحو شقته.. يصل، ويفتح الباب.. ويدخل.. ينظر حوله، ويدور في أرجاء المكان.. "هذا ليس بيتي، هذا بيت آخر.. لا، إنه ليس منزلاً، إنه شيء آخر.. يبدو كعيادة أو.. مستشفى".. يتوجه نحو باب بعيد في آخر القاعة، يبدو وراءه نور متوهج.. يفتح الباب ببطء؛ يشعر بخوف شديد، فهو لا يعرف ما يوجد وراء ذلك الباب.. وكلما فتحه أكثر كلما اشتد توهج النور، حتى بات غير قادر على الرؤية أو حتى فتح عينيه.. يشعر بحرارة شديدة تغمره من كل جانب.

يحاول فتح عينيه مجدداً، بالكاد يرى وجوهاً تنظر إليه عن قرب.. "من أنتم؟" يسأل بصوت خافت، حتى تبدأ الصورة في الظهور أمامه؛ هو ممدد على سرير في مستشفى، وزوجته وطفلاه أمامه، ينظرون إليه والدموع في عيونهم.. تقبله زوجته، وتقول له: "أخيراً، عدت إلينا."

-"عدت من أين؟"

-"لقد تعرضت لحادث سير قبل شهر، وكنت في غيبوبة منذ ذلك الوقت".

-"حادث سير؟"

-"نعم، لكن الحمد لله، أنت الآن بخير، عدت لكي تبقى معنا إلى الأبد".

يفكر سامي فيما حدث، وفي المدينة التي تجول في شوارعها، وفي الشقة التي زارها، هو يتذكر كل شيء بدقائقه وأصغر تفاصيله.. الشعور بالوحدة والخوف، كان حقيقياً.. "لا، كانت مجرد هلوسات خلال وجودي في الغيبوبة" يقول لنفسه.. الآن، عاد إلى أسرته.. وإلى واقعه.

بعد أيام قليلة، يغادر المستشفى مع زوجته.. ويصل إلى بيته، يحتضن ابنه وابنته، ويتوجه إلى غرفة نومه.. يتوجه بسؤال إلى منى: "ماذا حل بحقيبتي؟" تتوجه إلى جانب السرير، وتجلبها إليه.. "ها هي".. تقول له، "لكن، لم أفهم حتى الآن، من أين جاءت كل هذه النقود، التي كانت بداخلها؟"

ينظر إليها وعلامات التعجب والدهشة بادية عليه.. "نقود؟ أي نقود؟"

 

انتهى

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...