Saturday, December 26, 2020

الخير والشر.. من زاوية أخرى

لطالما كان الصراع بين الخير والشر أساساً أو محوراً رئيسياً للعديد من الأساطير والقصص وأعمال الأدب والفن، بكل أشكاله، وفي الأحداث التاريخية وتلك المرتبطة بالفكر الديني.. لا بد من وجود النور لكي يقضي على الظلام، لا بد من وجود الجمال لكي نميزه ونفضله على الدَّمامَة، لا بد من وجود السلام لكي يحل محل الحرب.

في الأساطير النوردية، كبير الآلهة أودين يقتل على يد الذئب فنرير ابن الإله لوكي، في الميثولوجيا الإغريقية، إيريس إلهة الخلاف والنزاع، غضبت لعدم دعوتها لحضور حفل زفاف بليوس وثتيس فتسببت في نهاية المطاف باندلاع حرب طروادة، في الروايات السومرية، كانت إنانا إلهة بلاد الرافدين، حاكمة العالم والأحياء، والتي ارتبط وجودها بالحب والجمال والجنس، فيما كانت ارشكيجال إلهة العالم السفلي أو عالم الأموات، وفي الأساطير المصرية، هناك ست، إله الظلام والفوضى، الذي قتل وشوه اخاه أوزوريس، وهناك تحوت إله الحكمة والمعرفة.

في القصص الدينية، هناك الشيطان، أو إبليس، وهو الشر الخالص، بطل الظلام والكراهية وكل الأوصاف السلبية بلا منازع.. في تلك الروايات، كانت الأفعى أساس قصة طرد آدم وحواء من الجنة، وكان وجود الفرعون نقطة مركزية في قصة النبي موسى، وكان رئيس كهنة اليهود قيافا أو بيلاطس البنطي أو يهوذا الشرير عنصراً مهماً في قصة المسيح، وكان أبو جهل ملكاً للظلام والظلم في قصة النبي محمد.

في الأحداث التاريخية، ربما يكون هتلر هو النموذج الأوضح للشخصية الشريرة القاتمة عديمة الرحمة في الحروب التي شهدتها البشرية، هناك أيضاً موسوليني وهولاكو وفلاد الثالث المخوزق وبول بوت وإيفان الرهيب.

في الأفلام، وفي قصص الأطفال، هناك دائماً الشرير في مواجهة الخيّر، قاتل الأبرياء في مواجهة من يوفر لهم الحماية، الوحش المفترس في مواجهة البطل الذي يتصدى له، الغازي القادم من الفضاء في مواجهة الأبطال البشر المدافعين عن الأرض.

لكن عند التفكير في الحقيقة، علينا الإقرار بأن الأمر ليس بهذه البساطة، لا يمكن وصف شخص بأنه الشرير المطلق في أي قصة، هناك دائماً الزاوية الأخرى ووجهة النظر من الجانب الآخر؛ هناك القصة التي يرويها الأشخاص من الجهة المقابلة، والتي عادة لا تصل إلى أحد، فالتاريخ يروي قصص المنتصرين فقط.

عند الحديث عن القصص الدينية، ألم يكن أولئك "الأشرار" يدافعون عن معتقداتهم ومعتقدات آبائهم وأجدادهم؟ ألم يكن دور الأفعى هو فعلاً العمل على غواية حواء لمعصية الرب؟ ألم يكن رئيس كهنة اليهود قيافا ينتصر لدينه في مواجهة شخص يدعو الناس إلى دين جديد؟

إذا استثنينا من الأمر المختلين نفسياً (Psychopaths)، مثل هتلر، ألا نرى أنفسنا في مواجهة الواقع ذاته؟ ألم يكن هولاكو حاكماً يعمل على خدمة مصالح شعبه عبر توسعة الإمبراطورية المغولية؟ ألم يخض إيفان الرابع حروباً دموية أسفرت عن اتساع أراضي روسيا ليجعلها إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف؟

من غير الممكن أن نقسم العالم إلى قسمين، أبيض وأسود، نور وظلام، عدل وظلم؛ إذ إن لكل قصة جانبين، لا يوجد من يقم بالتفاخر بأنه الشرير إلا في قصص عالم "دي سي" (DC Universe)، حيث توجد شخصيات هدفها قتل الأبرياء ونشر الدمار والخوف والفوضى، من دون أي تفسيرات إضافية أو معانٍ خفية، فيما يأتي سوبرمان أو الرجل الوطواط للتصدي لهؤلاء وإنقاذ البشرية.. أما في الحياة، فهناك زوايا عديدة ووجهات نظر مختلفة وآراء، تخلق للواقع ألواناً كثيرة، ولكل لون ظلال عديدة ودرجات متفاوتة.

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...