إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعالم التكنولوجية والتجارب، التي شكلت حياة الأجيال السابقة؛ الأجيال التي كنا نحن جزءاً منها... هذا الإدراك يعتبر تذكيرًا مؤلماً (في بعض الأحيان) بكيفية مرور الوقت—غالباً بدون أن نلاحظه—وكيف يمكن لأي أمر مألوف أن يصبح قديماً بسرعة. كما يعكس ذلك الرحلة التي يمر بها الجميع: من الشباب إلى منتصف العمر، ومن ثم إلى الشيخوخة، لنكتشف فجأة أن الأدوات والممارسات التي كنا نعتمد عليها في طفولتنا وشبابنا أصبحت من آثار الماضي، غير معروفة للأجيال الجديدة.
مَن يذكر اليوم
أو حتى يعرف ماهية أجهزة الفاكس والتلكس؟ من يتذكر ضرورة انتظار وصول الرسائل في مكتب
البريد، بدلاً من انتظار رسائل فورية عبر تطبيقات واتساب وتليغرام؟
فكر على سبيل المثال في صوت ربط مودم الـ
Dialup بالإنترنت؟ بالنسبة
لبعضنا، كان هذا الصوت المميز عنوان عصر رقمي جديد، مزيجًا من الأمل والتقدم والتطور
اللامحدود. اليوم، يبدو مفهوم الانتظار دقائق قبل الوصول إلى موقع إلكتروني ما أمراً
غير معقول للأجيال الجديدة، التي تعرف فقط الاتصال السريع والفوري.
فكر في تطور الهواتف... مَن من الشباب
اليوم يعرف كيفية استعمال هاتف ثابت مع قرص دوار؟ مفهوم الانتظار في المنزل
والجلوس بجانب الهاتف لاستلام مكالمة مهمة غير مألوف لجيل يعتمد على الأجهزة
المحمولة التي توجد دائمًا في متناول اليد... وماذا عند الحديث عن الهواتف
المحمولة؛ كانت حيازة جهاز بحجم كبير كالطوبة علامة للفخر والتقدم التقني... أجهزة مثل Motorola StarTAC التي كانت تمثل قمة التقدم التكنولوجي بشكل مدهش
في وقتها، توجد الآن في المتاحف وتعتبر تذكارات نادرة لهواة التاريخ (مثلي 😊). ومع ذلك،
فإن هذه الاختراعات فتحت الطريق للهواتف الذكية الرقيقة والمتعددة الوظائف التي
نعتمد عليها اليوم.
عملية تنصيب نظام تشغيل مثل Windows 95 أو
Windows 98 كانت تعتبر تحديًا
كبيراً... كانت تتطلب إدخال 16 إلى 32 قرصًا مرنًا Floppy Disks ومتابعة عملية إدخالها واحدا
تلو الآخر.. كانت العملية كلها قد تفشل إذا تضرر قرص واحد أو تعرض للمسح
المغناطيسي، مما أجبر المستخدم على البدء من الصفر؛ مهمة محبطة للغاية ومضيعة للوقت بحسب
معايير اليوم.
يمكن قول الشيء نفسه عن وسائط التخزين...
أيام إعادة لف أشرطة VHS
أو التقليب من أجل البحث عن أغنية محبوبة أو مقطوعة
موسيقية، أمر تم استبداله بخدمات البث الفوري التي توفر مكتبات ضخمة من المحتوى
المسموع والمشاهَد. الأجيال الجديدة قد لا تعرف أبدًا صعوبة وجود قرص CD مخدوش يتقطع صوت الموسيقى الصادر
عنه، أو سعادة إنشاء
شريط موسيقي Mix
لصديقة، وهو تصرف شخصي
ومؤثر لكنه تلاشى في العصر الرقمي.
حتى الطريقة التي نستهلك فيها الأخبار والمعلومات خضعت لتحول جذري... من الانتظار بفارغ الصبر للجريدة الصباحية أو الجلوس أمام
شاشة التلفزيون لمشاهدة نشرة الأخبار مساءً، انتقلنا إلى عصر التحديثات الفورية
عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الجرائد والمجلات والمواقع الإخبارية..
التجربة اللمسية لقلب الصفحات المطبوعة أو تعديل هوائي التلفزيون للتمكن من تحسين
الاستقبال، كلها الآن مفاهيم غريبة ومنسية، حل مكانها المسح والنقر على الشاشات
اللمسية.
هذه التحولات ليست فقط علامة على سرعة
التقدم التكنولوجي، ولكنها تعكس أيضًا تفاعل تاريخنا الشخصي مع هذه الاختراعات... كل
جهاز قديم وكل ممارسة منسية هي لحظة من الزمن، فصل من قصة حياة كلٍ منا؛ تذكرنا
بالتحديات التي واجهناها والأمور المدهشة التي احتضناها في عالم كان في وقته يبدو
القمة في الحداثة والتقدم.
ومع ذلك، هذا الوعي يصاحبه عادة شعور بالحزن... ليس فقط بسبب التقدم في العمر، بل أيضاً لأن مرور الزمن يعني أن ندرك أن ما كان يومًا يمثل الواقع بالنسبة لنا، أصبح الآن ذكرى بعيدة، بالنسبة للأجيال الجديدة التي نشأت في عالم الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي والتكنولوجيات الذاتية الأداء.
قد تُقابل الابتكارات الحديثة يومًا ما بنفس المزيج من الحنين والحيرة
التي نشعر بها تجاه الهواتف الأرضية والأقراص المرنة.
ختاماً، هذه الرحلة عبر تطور
التكنولوجيا ليست مجرد قصة أدوات وأجهزة؛ فهي شهادة على الإبداع البشري، والمرونة،
ودافعنا الدائم للتحسين والابتكار... في الوقت نفسه، تُذكرنا بلطف بضرورة التوقف
للحظة وتقدير اللحظات العابرة، والتجارب المشتركة، والقصص التي نحملها معنا نحو
مستقبل دائم التغير. وبذلك، نكرم كلًا من التقدم الذي حققناه، وذكريات زمن كانت
فيه الحياة، رغم كونها أكثر تعقيدًا، ثرية بالمعاني والتجارب.