Wednesday, December 19, 2012

حول نهاية العالم


كثر الحديث في الأيام القليلة الماضية، ولسنوات قبل ذلك، عن قرب نهاية العالم... إذ أن متابعي شائعات النهاية ومنتظريها يؤمنون بأن كل ما نعرفه سيصل إلى خاتمته في الحادي والعشرين من الشهر الجاري... من أين استدلوا على ذلك؟ مما يعتقدون أنها نبوءة تركها لنا شعب المايا الذي انتهت حضارته في القرن الثالث الميلادي.
الأنباء تحدثت خلال الفترة الأخـيرة عن أفراد ومجموعات في دول عدة حول العالم بدأت في التحضير لهذا الحدث؛ الذي يبدو من الطريقة التي يتحدث فيها البعض عنه وكأنه منتظر، بل وبفارغ الصبر... أعداد كبيرة من الناس ربطت ما تؤمن بأنه نبوءة المايا بمعتقداتها الدينية... آخر تلك المجموعات أو الطوائف الدينية المسيحية ما يعرف بطائفة الرب العظيم؛ والتي قامت السلطات الصينية بإلقاء القبض على خمسمئة من أتباعها ولذلك لعملهم على ترويج ما وصف بالشائعات حول نهاية العالم القادمة وبمصادرة الآلاف من المطبوعات والأقراص المدمجة والكتب التي تروج للنهاية السوداء للعالم والبشرية والحياة كما نعرفها... ألم يكن للجهد الذي بذل لكتابة وطباعة ونسخ تلك الترهات فائدة لو كان استُخدم في غايات أخرى؟
الغريب في المسألة كلها هو: كيف تمكنت أديان وطوائف مختلفة من الربط بين معتقداتها، التي من المفترض أن يكون أصلها الله أو المسيح أو موسى، وبين معتقدات المايا ونبوءات شعب المايا الذي عاش في قارة لم تكتشف حتى نهاية القرن الخامس عشر بعد الميلاد؟ كيف تمكنت عقول أتباع تلك الطوائف من قبول هذا الربط الغريب بين بنى دينية لا رابط بينها، لا في الأسس اللاهوتية ولا في التاريخ ولا حتى في الجغرافيا؟ كيف أمكن لهم أن يثقوا بهذه الصورة العمياء بتصور محوّر ومحرف لما تركته حضارة كان دينها يحض على تقديم القرابين أو الأضاحي البشرية، وبكثرة؟ وكيف يمكن لأي شخص أن يؤمن بما تركته حضارة لم يعرف شعبها تقدماً يذكر في العديد من المجالات التكنولوجية المعروفة، وبخاصة ما يتعلق بالمعادن؟
ثم لماذا دائماً هناك من هو مستعد، وبسعادة غامرة، لقبول أي معلومة تحدد تاريخاً خاصاً بنهاية العالم؟ لماذا هذا التلهف إلى التخلص من أثمن ما يملكه أي كائن حي: الحياة؟ كيف يمكن لأي شخص أو مؤسسة أو جماعة معرفة ما لا يعرفه كافة علماء الأرض في مجالات الفلك والفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا؟
الحقيقة هي أن تقويم المايا مكون من حقب تاريخية أو دورات زمنية، تنتهي الحقبة الأخيرة منها في فترة تقترب من التاريخ المعروف... ووفقاً للمايا، انتهاء حقبة يعني بداية أخرى، ولا يعني إطلاقاً نهاية التاريخ والبشر والكون.
العالم لن ينتهي في الحادي والعشرين من ديسمبر ألفين واثني عشر، كما لم ينته في الثالث من مارس ألفين وثلاثة وكما لم ينته مع قدوم الألفية الثانية وكما لم ينته في أي تاريخ تصوره كاذب أو ملفق أو دجال قبل ذلك... لكن المشكلة ليست في عدم نهاية العالم، بل في قبول الآلاف (وربما الملايين) كل مرة بأن هناك من يعرف ما لا يمكن معرفته، وبأن هناك إنسـاناً ذا علم يفوق ما يمكن للمعارف البشرية أن تصله. 

2 comments:

  1. "كيف أمكن لهم أن يثقوا بهذه الصورة العمياء بتصور محوّر ومحرف لما تركته حضارة كان دينها يحض على تقديم القرابين أو الأضاحي البشرية، وبكثرة؟"

    نقطة رائعة! شكراً!

    اليوم فقط عرفت أنك أفتحتت مدونة لك. مبارك! أتمنى لك دائم النجاح والتوفيق وأنا من المتابعين الدائمين لمجلة آفاق العلم.

    ولكن فضول: ماذا يعمل أياد أبو عوض في الحياة العملية؟ ما هو تخصصك؟ هل يمكنك كتابة ذلك في بروفايلك؟


    شكرا!

    ReplyDelete
  2. رائع
    انا من متابعين افاق العلم من فترة طويلة
    مدونتي علمية يشرفني زيارتك لها
    http://knowledge0world.blogspot.com/

    ReplyDelete

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...