كلما تحدثنا عن المشكلات
التي يعاني منها مجال التفكير والإبداع في دولنا الشرق الأوسطية، كلما عادت المسألة
برمتها إلى عوامل مركزية تتمحور حولها أسس الثقافة والفكر والمعرفة في المجتمع...
القضية لا ترتبط بالقيادات السياسية أو بالعوامل الاقتصادية بقدر ما هي مرتبطة بحزمة
من المحظورات والمحرمات، إضافة إلى مجموعة من الأمور المكروهة، التي يتم من خلالها
فرض احترام موروث ثقافي وتقاليد مهترئة على الجميع، وخاصة على الصغار... والفرض
هنا يتعلق بتربية الأطفال على التخلي عن عادة طرح الأسئلة وعن الفضول الشديد الذي يميزهم عن البالغين، ويتعلق بدفع الأطفال إلى الابتعاد عن الخوض في أمور بعينها وتحذيرهم من مغبة
ذلك مراراً وتكراراً حتى يتم إقناعهم بضرورة اتباع قوانين الآباء والأجداد والابتعاد
عن التفكير المستقل المحايد، بما يكفل أن يصبحوا هم حملة راية التخلف والفكر
الظلامي ومن يحميه في المستقبل... وحتى عندما يبرز أشخاص يتمكنون من الحفاظ على قدراتهم
العقلية وعلى رغباتهم في البحث والتقصي بشكل مستقل بعد تجاوزهم مرحلة الطفولة، فإن
السلطات، سواء الدينية أو القضائية، تبذل كل ما في وسعها لتحويل تساؤلات هؤلاء
وأبحاثهم وآرائهم إلى قضايا جنائية، أو حتى ملفات استخباراتية ’تهدد الأمن الوطني‘، تؤدي، في حالات عدة، إلى السجن أو الجلد، أو ما
هو أسوأ من ذلك.
من وقت لآخر، نتفاجأ بما
يكتبه البعض في مقالات تنشر على صفحات جرائد أو مجلات ورقية أو في مواقع إلكترونية
حول موضوعات منها: "لماذا الغرب متفوق علينا في العلوم والتكنولوجيا؟"
أو "ما مستقبل أدب الخيال العلمي في هذه الدولة العربية أو تلك؟" أو
"لماذا لا يمكن لأبنائنا الإبداع والتطوير كما يفعل أبناء الصين أو دول
أوروبا أو الولايات المتحدة؟".. الحقيقة تكمن في أمر واحد، هو الحرية... في
الصين، الحديث لا يتعلق بالحرية السياسية أو حرية التعبير عما يتعارض مع أسس
وهيكلية الدولة أو مع أيديولوجيتها، بل يدور حول الحرية الفكرية والثقافية، حيث لا
يجبرك أحد على الاعتقاد أو الإيمان بشيء دون غيره، ولا تشعر بأنك مهدد بعقوبات جسدية
ومعنوية عند الخروج على أفكار أو تقاليد أو عادات أو معتقدات متوارثة، ولا تضطر
إلى الاختباء أو تغيير هويتك واسمك عندما تريد التعبير عن رأي معين، بغض النظر عن
طبيعة الموضوع الذي يلامسه ذلك الرأي... لا توجد حدود أو قيود على العقل في الدول
التي تدفع مواطنيها إلى التطور والإبداع، ولا توجد عقوبات على من يعبر عن رأيه،
وبالطبع تتم مكافأة المبدع عندما يثبت بطلان فكرة أو رأي أو مبدأ قديم بالدليل
القاطع والبرهان العقلي السليم، بدلاً من أن يهان ويسجن ويعذب.
No comments:
Post a Comment