Friday, October 14, 2016

من أين جاء الشر؟

لمـاذا يـتصرف الإنسان في بعض الأحيان بصورة فاضلة وأخلاقـية وفي حالات آخـرى يكون قادراً عـلى ارتكاب أفظع الجرائم؟ سؤال حاولت المدارس الفكرية والدينية الإجابة عنه منذ بدء التاريخ.


قصة المهندس النمساوي جوزيف فريتزل الذي قام باحتجاز ابنته واغـتصابها لما يقارب الربع قرن في قبو منزله، أو قصة السيدة الأمريكية تشاينا أرنولد التي قامت بقتل طفلتها الرضيعة بوضعها في فرن المايكرويف، وقصص الحروب والتعذيب التي تغطي كافة أرجاء الأرض... أمام كل هذه القصص، تتبادر إلى الذهن أسئلة في غاية الأهمية: ما هو الشر؟ لماذا هو موجود؟ هل الإنسان شرير الى هذا الحد؟ ولماذا؟
الإجابات مختلفة، لكنها ليست مقنعة دائماً... بعض الفلاسفة، كسقراط ، يرون أن الشر هو مجرد الجهل وعدم القدرة على فهم ماهـية الخير... أما بالنسبة لآخرين كهيغل، فالشر هو الوجه الآخر للخير، وجه لا مفر منه ولا بديل عنه... أديان كثيرة، على الجانب الآخر، تتحدث عن الشر المطلق الذي هو فوق العالم الطبيعـي الذي نعرفه: إنه الشيطان... إلا أن رجال الدين يتحدثون عن الإله العادل والرحيم واللطيف، لكنهم يختلفون عندما يتم التوجه إليهم بالسؤال: لماذا يوجد هذا الشيطان؟ لماذا لم يترك الإله الكون خيراً بالمطلق؟ الفيلسوف الإغريقي أبيقور Epicurus (324-270 قبل الميلاد) قام بوضع معضلة لا تزال قائمة حتى الآن حول هذا الشأن: «الرب، إما أن يكون راغباً في إزالة الشر لكنه لا يستطيع، أو أنه يستطيع لكنه لا يريد، أو أنه لا يريد ولا يستطيع... إذا كان يريد ولا يستطيع، فهو عاجز؛ إلا أن هذا ليس من مواصفات الرب... وإذا كان يستطيع ولا يريد فهو ليـس خـيّراً؛ وهـذا عـكـس مواصـفات الرب تماماً... إذا كان لا يريـد ولا يستطيع، فهو عاجز وليس خيراً، أي أنه ليس إله على الإطلاق... أما إذا كان يريد ويستطيع، فلماذا الشر موجود إذاً؟».
تعريف الشر المتوافق عليه بين الجميع هو أنه نقيض الخير؛ أي أنه كل ما لا يرغبه أحد... أما البحث عما هو أكثر دقةً من هـذا فسيدخلنـا في خلافات معقـدة... لماذا؟ فلنأخذ مثال القتل: فمع أننا جميعاً نعتبره تمثيلاً فعلياً للشر؛ إلا أنه كان ضرورياً لوضع حد لطموحات هـتـلر المجنونـة مثلاً... كذلك فالعديد من الأديان تعتبر القتل الناتج عـن الحروب سبيلا ً لنشر الخير (كالجهاد في الدين الإسلامي، والحروب الصليبية في الدين المسيحي وغيرها).

يعيشان معاً: الخير والشر المجسدان في شخصيتين مختلفتين (دكتور جيكل ومستر هايد)
يعيشان في شخص واحد... هكذا وصف  روبرت لويس ستيفنسون النزاع الأخلاقي.


اليوم، علماء الاجتماع والنفس والإيثولوجيا (أو السلوك الحيواني) والتطور البيولوجي يعملـون عـلى دراسة الشـر بصورة أكثر واقعية من دون أن يتوقعوا الوصول الى تعريف كلي شامل... بل من أجل التوصل إلى سبب وجوده... الطب تمكن من إخبارنا أن أشكالا ً عديدة من التصرفات العنيفة مـن الممكن عزوها إلى حالات مرضية نفسية... عالم الإيثولوجيا النمساوي إيبل آيبيسفيلدت Eibl Eibesfeldt من معهـد ماكس بلانك ومؤسس الفرع العلمي "الإيثولوجيا البشرية" يرى الخير والشر، الإيثار والأنانية كتصرفات غريزية في الإنسان كانت نتاجاً للتطور البيولوجي خلال ملايين السنين: وهو صراع مستمر بين غـريزة التملك والدفاع عن المجال الحيوي (Territory) لذلك الإنسان من جانب وبين غريزة التعاون مع الآخرين من جانب آخر.

لماذا يوجد الإيثار؟
يقول البروفيسور ستيفان هارناد Stevan Harnad الباحث في جامعـة كيبك بمونتريال: «لكي يكون الإيثار موجوداً، يجب أن تكون الحاجات الأساسية للإنسان (كالماء والطعام والمسكن والجنس) مشبعة»... لهذا فالأفراد في مجتمعات الدول الأوروبية الشمالية، حيث هناك توزيع عادل للثروة وهناك ظروف رفاهية أفضل، لا يعانون من الظلم وهناك شر أقل... في حين أنه في الدول التي تشح فيها المصادر والثروات وتزيد فيها الكثافة السكانية، يكون فيها ظلم  أكثر وجرائم أكثر وانعدام للمساواة... ووفقاً لما كتبه تشارلـز داروين عام 1851: «القبيلة المكونة من عدة أفراد مستعدين لتقديم العون لبعضهم البعض بشكل متبادل والتضحـية بأنفسهم من أجل المصلحة العامة، ستكون منتصرة على بقية القبائل»... إذاً فإن عملية الإختيار الطبيعي Natural Selection تفضل بقاء واستمرارية كل عضو من تلك القبيلة (وسلالته) على أفراد آخرين قرروا العيش بشكل منفرد.

وجهات نظر
هل من الممكن القـول إن الشر مسألة نسبية؟ من يرتكب أعمالاً شريرة قد يؤمن بأن ما يقوم به هو الخير بعينه... البعض قد يرفض هذه الفكرة؛ لكن إذا أخذنا عدداً من الأمثلة حول هذا الموضوع، ستتضح صحته: عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وصم الغرب ما حدث بأنه عمل ناتج عن شر مطلق... إلا أن المسؤولين عن تلك الجريمة، آمنوا أنهم يقومون بعمل سامٍ سيوصلهم الى الجنة... وما قامت به الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، يعتقد الغرب بأنه يجلب الخير لمواطني تلك الدول ولمواطني العالم... إلا أن آخرين يرون ما حدث في سجن أبو غريب وعمليات القتل والاختطاف والفلتان الأمني كلها نتاج للشر المطلق.
في بعض الأحيان، حتى الشخص نفسه أو المجموعة ذاتها التي قامت بارتكاب شر ما، تعود بعد ذلك لتتساءل عن المنطق الذي جعلها ترتكبه معتقدة أنه كان خيراً وقت ارتكابه.

معـتـقـدات عن الشـر
يقـول الدكتور روي بوميستر Roy Baumeister أستاذ علم النفس في جامعة فلوريدا : «مـا يـتوجـب عـليـنا معـرفـته أولاً هـو أننـا جـميعـاً قـادريـن عـلى ارتـكـاب أمـور قـد يـراهـا آخـرون شـريرة، وحـشـية، و عـنيـفة... فهـذا يعـتـمد عـلى الظـروف المحـيطة التـي تسـمح لـنا بتـفـسير الأحـداث».
هـناك أمـور كـثـيرة يسـود اعـتـقاد بصحـتها في حين أنها غير صحيحة... وهذا عدد منها : 
1- ليس صحيحاً أن مـن يرتكب أموراً شريرة يفعل ذلك دائماً برغبته وبصورة متعمدة... ربما يبدو الأمر هكذا بالنسبة للضحية... أما بالنسبة للمتسبب بالشر، فهـناك دائماً عـذر مقـبول ومبرر منطـقياً وفق اعتقاده.
2- ليس صحيحاً أن هـناك من يرتكب أموراً شريرة لمجرد شعـوره بمتعة ارتكابها... فهناك دائماً سبب يدعوه لذلك ليس هـو حب الشر بحد ذاته (باستثناء الحالات المرضية بالطبع).
3- ضحية الشـر ليست دائماً بريئة وخيـّرة... ففـي حالات كثيرة، الضحية ترتكب أموراً تؤدي بالطرف الآخر الى ردة فعـل "شـريرة"؛ وتجعله مقتنعاً تماماً بأن ما يقوم به له ما يبرره.
4- الشـر ليس حكراً عـلى الإنسان كـما تدعي بعض المعـتقـدات؛ فهو موجود في المملكة الحيوانية أيضاً.

لمـاذا الشـر؟
لا يوجد أي شخص يرى نفـسه شريراً عـلى الإطلاق... كل من يرتكب شروراً (من وجهـة نظرك) يقوم بها لوجود أسباب مشروعة ومنطقية (من وجهة نظره)... وفقاً لرؤية أستاذ عـلم النفـس في جامعـة ستانفورد ألبرت باندورا Albert Bandura، ربما يكون السبب هو أن القواعـد الأخلاقـية لدى الإنسان ليست ثابتة وعميقة في داخله كما نعـتقـد؛ يعود هذا الأمر على الأغلب الى أنه في الماضي اضطر لارتكاب أعمال مريعة في صراعه من أجل البقاء على قيد الحياة؛ متجاهلاً تلك القواعد.
مـن جانـب آخر، ومن أجل البقاء أيضاً، فقد كان ضرورياً إظهار العدو بمواصفات الشريـر وذلك لتحريـك المشاعر المزروعة داخلنا والتي ترغب بشدة في أن نكون خيـّرين حتى عندمـا نـتوجه الى الحرب لقتل الآخرين... ولإظهار العدو بتلك الصورة، فهـناك حاجة إلى آلة دعائية تحرك مشاعـر أفراد القبيلة، المدينة، أو الدولة.
في حقـيقة الأمر، قد تكون هذه الروايات المختلفة حول أصل الشر ومنبعه الرئيسي مجرد أسلوب ابتدعه الإنسان مع بدء تاريخه ليرمي مسؤولية أفعاله (التي لا يرضى ضميره عنها عندما ينظر إلى مرآة نفسه) على قوةٍ سُفـليةٍ سماها الشيطان أو العفاريت أو وساوس العالم الآخر... لكـن مـا يتوجب على الإنسان فعله هو البدء بتحمل نتائج أفعاله بنفسه و النظر إلى الآخـرين كأفراد مماثلين له، مهما اختلفت أفكارهم ومعتقداتهم وتاريخهم ولغتهم.



بالرغم من طول المدة التي استغرقها البحث في ماهية الشر، فالإجابة النهائية لا زالت بعيدة.
- الفـيلسوف الإغريقي سقراط (470-399 قبل الميلاد) كان يؤكد أن الإنسان هو عبارة عما تمثله روحه؛ أي ما يمثله منطقه ووعيه؛ لهذا فلا داعي لهذا اللهاث المتواصل والمتشنج وراء المتع والثروات... كل هذه مسارات مزيفة... الخير يمكن الوصـول إليه عـن طريق العناية بالروح... والمعرفة وحدهـا قادرة عـلى جعل الروح وفق طبيعتها الأساسية الخيـّرة والكاملة... ومن هذا التفسير، قدم سقراط الوعي والمعـرفة على أنهما فضيلة في حين أن الجهل رذيلة... فمن يقـترف أموراً شريرة، يقوم بذلك لأنه في حقيقة الأمر يتجاهل الخير؛ لهذا هو ضحية الجهل.
- كونفوشيوس أو Master Kung (ولد في الصين عام 551 قبل الميلاد) قدم الأمور بنفس أسلوب سقـراط تقريباً... فقد ساند فكرة أن الإنسان خيّر بطبعه وأن الشر ينتج عـن الجهل. 
الكـتب المقـدسـة تقدم النظام الأخلاقي على أنه قادم من الرب... لهذا فالخير وفقاً لهذه النظرة تحول إلى طاعة الأوامر الإلهية... أما الشر فهو ارتكاب الآثام؛ أي مخالفة التعاليم الدينية.
- الأديان حوّلت التفكير في العالم الى جزئين، فبـدلاً مـن البحث في الخير والشر ومصدرهما ونتائجهما هنا في عالمنا هذا، تحول التفكـير الى ما هو موجود في هذه الحياة وما سيترتب عليه في الحياة التالية... فالخير ستتم مجازاته بموقع أبدي (لا زماني ولا مكاني) هو الجنة، في حين أن الشر ستتم معاقبته بموقع مضاد للجنة في مواصفاتها؛ جهنم.
- الفـلسفة الحديثـة بحثت أيضاً في معنى الخير والشر بعيداً عن الفكر الإغريقي القـديم وعـن الفكر الديني الذي عملت على نشره المفاهيم اليهودية-المسيحية-الإسلامية... فالمدرسة الفلسفية النفعية (أو Utilitarianism) ابتداء بجيريمي بينثام (1748-1832) وحتى هنري سيدجويك (1838-1900) تقول إن عملاً ما يكون خيـّراً اعتماداً على  مقدار إسهامه في النفع العام وبقدر ما يجلب من سعادة لأكبر عدد من الناس.
- الفـلسفة المثالية (Idealism) تجد للشر تبريرات خاصة به... هيجيل (1770-1831) يرى أن الـشر ضروري ولا بديل عنه فيما يتعلق بوجود الخير... فلو كان الخير وحده موجوداً، فما الذي سيتوجب عليه مواجهته والانتصار عليه؟ لذا يجب أن يكون الشر موجوداً... وإلا، ببساطة، ستكون كل صفحات الكتب عبارة عن أوراق بيضاء.

Sunday, September 4, 2016

الخيال العلمي

الخيال العلمي


أحد الأنواع الأدبیة التي یتفنن فیھا الكتاب في نقل القراء من عالمھم الذي یعیشونه إلى عالم آخر قد نحیاه في المستقبل؛ بكافة تفاصیله ودقائقه... الكثیر من روایات الخیال العلمي حملت لنا رؤى حقیقیة عن أمور لم نفھم فحواھا حتى وجدناھا تتحول إلى جزء من حیاتنا بعد سنوات من توقّع كاتب من كتاب الخیال العلمي حدوثھا.

یضم الخیال العلمي العدید من الأنواع الأدبیة المختلفة؛ لھذا یختلف الكثیرون حول نشأته وتاریخ تطوره.

الفیلسوف لوقیانوس
حتى أن ھناك من یرجع بدایاته إلى الإغریق؛ كما في قصة "التاریخ الحقیقي" أو "القصة الحقیقیة" التي كتبھا الفیلسوف والكاتب الساخر لوقیانوس في القرن الثاني قبل المیلاد والتي كانت الأولى في التحدث عن السفر في الفضاء وعن عوالم أخرى في الكون وعن حروب بین شعوب تلك العوالم الفضائیة... ووفقاً لرأي باحثین آخرین، فالقصة التي وصلتنا عن قارة أطلانطیس، كما رواھا أفلاطون، لا تتعدى كونھا إحدى روایات الخیال العلمي التي تتحدث عن حضارة متقدمة، یعتقد المؤمنون بوجودھا أن أحد أسباب فنائھا كان عدم قدرتھا على التحكم في وسائل الدمار التي تمكن أبناؤھا من الوصول إلبھا... 

ملحمة "رامايانا"
وھناك كذلك من  رأى عوامل متعددة من أسس الخیال العلمي في الأعمال الملحمیة الھندیة مثل "رامایانا" وھي ملحمة شعریة قدیمة باللغة السنسكریتیة التي تحدث مؤلفھا فالمیكي، الذي عاش في القرن الرابع قبل المیلاد، عن آلات أسطوریة قادرة على الطیران تسمى فیمانا... ھناك من یعتقد كذلك أن عدداً كبیراً من الروایات الدینیة لا یتعدى كونھ مجرد قصص من عالم الخیال العلمي؛ فقصة سفینة نوح الموجودة في كتب الدیانات الثلاث، مثلا ، مستوحاة من روایة سومریة تعود إلى القرن الثامن عشر قبل المیلاد تتحدث عن فیضان ضخم جلبه الإله (أو الآلھة) عقاباً للبشر؛ إلا أن نوح (وفي الروایة السومریة: زاسودرا) یصله تحذیر بضرورة بناء سفینة تحمل جمیع الكائنات الحیة حتى ینتھي الفیضان؛ وھو ما یذكرنا بقصص الخیال العلمي التي تتحدث عن نھایة العالم وضرورة إنقاذ ما یمكن إنقاذه على متن مركبة فضائیة تغادر الأرض باتجاه كوكب آخر قد یدعم الحیاة.


كتاب "ألف ليلة وليلة" 



حتى في كتاب "ألف لیلة ولیلة" ھناك بعض القصص التي تضم بعض عوامل الخیال العلمي؛ مثل قصة "حكایة الحكماء أصحاب الطاووس والبوق والفرس"؛ ففي ھذه الحكایة ھناك حصان آلي یمكنه الطیران، وبوق یعمل كجرس إنذار في حالة دخول عدو المدینة، وطاووس من ذھب یعمل كساعة ومنبه.




الخیال العلمي المعاصر
البدایة الحقیقیة لروایات الخیال العلمي جاءت عام 1818؛ عندما قامت ماري شیلي بنشر روایتھا Mary Shelley "فرانكنشتاین" التي یتم فیھا استخدام أعضاء من أجساد بشر متوفین لخلق رجل جدید أكثر قوة وضخامة وذلك بالاستعانة بعالم الكھرباء الذي كان غامضاً بعض الشيء في ذلك الوقت... عنصر الدھشة الذي یخلق شعوراً بالتعجب والذھول، إلى حد ما، یأتي لیس من مشھد تكون العناصر الواقعیة فیه مركبة من عوامل خیالیة فحسب، بل عندما تفقد العلاقة الزمانیة المكانیة مفھومھا ؛ ما یخلق حالة توجد بھا أبعاد مختلفة تماماً؛ في كل بُعد منھا منطق وقوانین خاصة به... أول من تمكن من خلق ھذا المشھد بكافة عناصره الواقعیة وربطھا بعوامل خیالیة ھو الكاتب الأمریكي الشھیر إدغار ألان بو Edgar Allan Poe في قصته القصیرة "A Descent into the Maelström" وكان ھو من فتح الباب أمام أحد أھم كتاب الخیال العلمي؛ الفرنسي جول فیرن Jules Verne... وفي حین ركز إدغار في قصصه على الجانب الداخلي لشخصیاته بعواملھا النفسیة ورموزھا الخفیة، عمل فیرن على التركیز على العوامل الخارجیة التي نتجت عن الاكتشافات العلمیة؛ فترك للإنسانیة أعمالاً خالدة مثل "رحلة إلى مركز الأرض"، "من الأرض إلى القمر"، "عشرون الف فرسخ تحت الماء" وغیرھا الكثیر... وھو في العدید من ھذه الروایات لم یقم فقط بتصویر وقائع خیالیة، بل قام أیضاً باستخدام الأسس العلمیة والتكنولوجیة المكتشفة أو التي كان البحث لا یزال مستمراً حولھا كي یخلق عوالمھ ومكوناتھا؛ مثل تحویل قذیفة المدفع إلى مركبة فضائیة تتوجھ إلى القمر، أو التفكیر في مستقبل الغواصات الأولى التي استخدمت في الحرب الأھلیة الأمریكیة للوصول إلى الغواصة العملاقة "ناوتیلوس" بقیادة القبطان نیمو.

النقل الآني Teleportation،
السفر في الزمن Time Travel؛
كلھا أفكار خطرت أولاً على بال كتاب الخیال العلمي، 
قبل بدء بحث العلماء فیھا.

الانتقال من مرحلة تخیل المستقبل إلى مرحلة طرح تساؤلات حول طبیعته وحول المشكلات التي سیجلبھا التقدم الإنساني جاء مع الكاتب الإنجلیزي ھربرت جورج ویلز H. G. Wells الذي یمكننا اعتباره أحد أعمدة الخیال العلمي الذي نعرفه الیوم... ففي كل واحدة من روایاته ھناك عامل یعتبر علمیاً: "حرب العوالم" حول حروب تجري في الفضاء، "آلة الزمن" التي تبحث في كیفیة الانتقال من نقطة ما في الحاضر إلى الماضي أو المستقبل والعكس، و "جزیرة الدكتور مور" التي تحدث فیھا عن إمكانیة دمج المواصفات الوراثیة للإنسان والحیوان وذلك قبل اكتشاف الحمض النووي وظھور الھندسة الجینیة... كذلك من الممكن التفكیر في تساؤلات ویلز بھذه الطریقة: ”ما الذي سیحدث عندما یتمكن العلم من تقدیم إجابات على كافة الأسئلة؟“ وإجابته كانت: ”الإنسان سیبدأ في الدخول في عملیة انھیار وانحطاط، إذ أنه لن یعتمد بعد ذلك على الأسس الأخلاقیة والسیاسیة“.

عوالم الخیال العلمي لا تصور لنا المستقبل الذي سنعیشه بعد
عشرات (وربما مئات) السنین فحسب، بل تحاول كذلك تقدیم
صورة لما یمكن أن یحدث إذا ما واصلنا تطویر الآلات مثلاً...
فھل سنتمكن من تزوید الروبوتات بمشاعر وأحاسیس؟


القرن العشرون
الخیال العلمي انتشر بصورة واضحة في الولایات المتحدة وبشكل خاص بسبب ظھور المجلات من نوع Pulp Magazines وھي المجلات التي تصنع أوراقھا من لب الخشب أو نشارته وقطعه الصغیرة غیر المفیدة لاستخدامات أخرى؛ فقد كانت تكلفة ھذا الورق متدنیة للغایة ما سمح بانتشار ھذه المجلات بشكل غیر مسبوق... ومن ھنا، جاءت قصص كثیرة نعرفھا الیوم حول أبطال ھمھم حمایة البشریة أو حول كائنات مرعبة قادمة من كواكب بعیدة.


ومع ظھور قصص العدید من كتاب الخیال العلمي على صفحات تلك المجلات، وباستثناء إدغار رایس بوروس Edgar Rice Burroughs صاحب قصة طرزان، فقد كانت الأغلبیة الساحقة من الكتاب لیست ذا أثر یذكر.

الخیال العلمي ھو النوع الأدبي، الذي یقدم لنا إمكانیة رؤیة ما
وراء الواقع الذي نعیشه، لنسترق النظر إلى ما سوف
یكون في الغد أو في المستقبل البعید.


أحد أھم العوامل في تغییر ھذا الواقع كان بدء نشر مجلة Amazing Stories أو "قصص مدھشة" على ید من ینظر إلیه الكثیرون كعراب ومروج الخیال العلمي؛ ھیوغو غیرنزباك Hugo Gernsback، وھو الذي ساھم في خلق ما یسمى بالعصر الذھبي للخیال العلمي... فقد نشرت مجلته، إضافة إلى روایات فیرن وویلز، قصصاً لجون كامبیل John Campbell وجاك ویلیامسون Jack Williamson وإدموند هاملتون Edmond Hamilton... وفي ھذه المرحلة ظھر التفاؤل في مؤلفات الخیال العلمي؛ إذ كانت إبداعات التكنولوجیا في أوجھا، لكن لیس ھذا فحسب، فروایات Foundation للكاتب الشھیر إسحق آسیموف Isaac Asimov اعتمدت بشكل أساسي على كتاب "تاریخ أفول وسقوط الدولة الرومانیة" بكل ما یلقي ذلك من معان عمیقة على المستقبل البشري وكیف أن أسس ما حدث في الماضي قابلة للوقوع في المستقبل بغض النظر عن مدى التطور العلمي والتكنولوجي... وآسیموف بكتاباته أظھر أن العالم المتخصص أقدر على كتابة الخیال العلمي من غیره؛ وھذا الأمر تحول بالفعل إلى شبه قاعدة بعد ذلك.

الیوم، أدب الخیال العلمي من الأنواع التي تحظى بالاھتمام والتقدیر من القراء والنقاد والأدباء.






أفلام الخيال العلمي
مع بدایة عصر السینما، تسابق الكثیر من صناعھا إلى تحویل القصص الخیالیة التي تركھا لنا كتاب الخیال العلمي إلى أفلام یمكننا معھا رؤیة ما كان یدور في خلد أي منھم، وكذلك بسبب الفضول الموجود لدینا جمیعاً فیما یرتبط بمستقبلنا، وبما ھو أھم من ذلك، مصیرنا.
أفلام الخیال العلمي الأولى ظھرت في عھد السینما الصامتة ولم تزد مدتھا عن دقیقتین... أول أفلام الخیال العلمي جاء في عام 1902 مع فیلم "رحلة إلى القمر" المأخوذ عن قصة جول فیرن... وفي العام 1910 جاء فیلم "فرانكنشتاین" الذي كانت مدته 16 دقیقة فقط... في عشرینیات وثلاثینیات القرن الماضي، واصل المخرجون تطویر مفھوم وعناصر أفلام الخیال العلمي؛ ففي العام 1931 ظھر أول إصدار لفیلم "الدكتور جیكل والسید ھاید" وتم إنتاج نسخة جدیدة من فیلم "فرانكنشتاین"، وفي عام 1933 صدرت أول نسخة من قصة "الرجل الخفي" في صورة فیلم سینمائي... وبوصول خمسینیات وستینیات القرن العشرین، أصبح الخیال العلمي أحد أھم الأنواع التي یطمح المخرجون إلى العمل على إصدارھا... وبتطور العلوم والتكنولوجیات المختلفة، أصبح من الممكن جعل الصورة المشاھدة في أفلام الخیال العلمي أكثر صدقیة وواقعیة... وبوصولنا إلى أیامنا ھذه، من المنصف القول إنه بمعرفتنا الأشمل بالكون وقوانینه، أصبحت أفلام الخیال العلمي من الدقة في تقدیم المشاھد وفي توقع المستقبل بدرجة أفضل مما كانت علیه قبل عقود قلیلة من الزمن... كذلك، فإن معظم أفلام ھذا النوع تحمل في طیاتھا فكرة محوریة مرتبطة بطبیعة الإنسان ومخاوفه من المجھول القادم من المستقبل.

إلى اليسار: فیلم "آلة الزمن" (2002) والمأخوذ عن قصة ھربرت جورج ویلز...
مخرج الفیلم كان سایمون ویلز حفید الكاتب الشھیر.
إلى اليمين: فیلم "آلة الزمن" (1960).
مشاھد الفیلمین سیلاحظ على الفور الفارق التكنولوجي، 
الذي مثلته أربعة عقود فصلت بین النسختین...
كاتب السیناریو في كلا الفیلمین كان دیفید دنكان.


Monday, August 8, 2016

عدد يوليو - أغسطس 2016 من مجلة آفاق العلم

عدد يوليو - أغسطس 2016 من مجلة "آفاق العلم"



مقالات العدد:
- أخبار علمية
- سؤال وجواب
اخـتراعات ليسـت جـديدة
ألغـاز الكـون
مـاذا سـيحـدث لـو... 
قصـص من مصـر الفرعـونية
آثـار عـملية التطـور
هل نحن جزء من برنامج حاسـوبي؟
- HiTech

Saturday, April 16, 2016

عدد مارس - أبريل 2016 من مجلة "آفاق العلم"

عدد مارس - أبريل 2016 من مجلة "آفاق العلم"



مقالات العدد:
- أخبار علمية
- سؤال وجواب
- التجمع الخـاطف .. "Flash Mob"
- جـماعات وتنظـيمات سـرية
- مخـلّدون في الأرض
- المريخ.. آن الأوان
- معـلومات خـاطـئة عن عـالم الكـمبيوتر
- قصص نتداولها.. لكن هل هي حـقيقية؟
- كـتـّاب الخـيال العـلمي.. تنبؤات تحـققت
- HiTech


معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...