مقدمة
اندلاع الحرب العالمية الثالثة يعد احتمالا مرعبا يلوح في الأفق في ظل الأجواء الجيوسياسية العالمية الحالية... في عصر يتسم بالتصعيد والتوتر المتنامي بين الغرب وروسيا، ومع احتمال مشاركة حلفاء أقوياء مثل الصين وإيران وكوريا الشمالية، قد تكون تداعيات مثل هذا الصراع كارثية بالنسبة للبشرية... نبحث في هذا المقال الأسباب المحتملة، التأثيرات الفورية، والعواقب الطويلة الأمد لمواجهة عسكرية عالمية، مع ضرورة إدراك حقيقة أساسية؛ وهي آن الحياة ستتغير بشكل جذري خلال هذه الحرب وبعدها.
فتيل إشعال الحرب العالمية الثالثة
يمكن أن يُكسر التوازن الهش للعلاقات الدولية بعدة مسببات؛ أحد العوامل الرئيسية هو العدوان العسكري، لا سيما في المناطق التي تشهد توتراً كبيراً٬ مثل أوروبا الشرقية... ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 والصراع المستمر في أوكرانيا قد زاد بالفعل من مخاوف التصعيد العسكري.. يمكن أن يصبح وجود الناتو في أوروبا الشرقية والمناورات الروسية العسكرية نقاط اشتعال لمواجهة مباشرة.
وفقًا لمصادر روسية، ما يحدث يجب النظر إليه بشكل مختلف؛ ترى روسيا في توسع الناتو والمناورات العسكرية بالقرب من حدودها إجراءات استفزازية تهدد أمنها الوطني. يجادل المسؤولون الروس بأن أفعالهم في أوكرانيا وشبه جزيرة القرم هي إجراءات دفاعية تهدف إلى حماية الأقليات ذات الأصول الروسية ومواجهة التجاوزات الغربية.
الحرب السيبرانية قد تمثل تهديداً كبيراً آخر. الهجمات السيبرانية المدعومة من الدولة التي تستهدف البنى التحتية الحيوية - مثل شبكات الكهرباء، الأنظمة المالية، وشبكات الاتصالات - يمكن أن تؤدي إلى رد فعل قوي. خرق بيانات الحكومة الفيدرالية الأمريكية الذي تم اتهام روسيا به في عام 2020 أظهر إمكانيات التسلل السيبراني لتصعيد التوترات بين القوى العالمية.
تسلط المصادر الإعلامية الصينية، مثل شينخوا، الضوء غالبًا على أهمية الأمن السيبراني والمخاطر المحتملة للحرب السيبرانية... وهناك تشديد على أن كلاً من الولايات المتحدة والصين لديهما قدرات سيبرانية كبيرة، وأي تصعيد في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة على الاستقرار العالمي.
تلعب العقوبات الاقتصادية دوراً حاسماً أيضًا. العقوبات المشددة، مثل تلك المفروضة من قبل الغرب على روسيا بعد اندلاع الأزمة في أوكرانيا، يمكن أن تعرقل الاقتصادات وتدفع باتجاه ردود فعل عدوانية... التفاعل بين العقوبات والتدابير الانتقامية يخلق بيئة خطرة، إذ من الممكن أن تقود الحرب الاقتصادية إلى مواجهة عسكرية.
وسائل الإعلام الصينية الحكومية، بما في ذلك جلوبال تايمز، تنتقد في كثير من الأحيان العقوبات الغربية، بحجة أنها غير فعالة وتؤدي فقط إلى تصعيد التوترات بشكل أكبر... الجانب الصيني يدعو إلى الحوار والحلول الدبلوماسية بدلاً من العقوبات الاقتصادية الأحادية الجانب.
أخيرًا، يمكن أن تجر التزامات التحالف بموجب معاهدات الدفاع، مثل تلك الخاصة بحلف الناتو، العديد من الدول إلى الصراع العسكري. مبدأ الدفاع الجماعي، حيث يعتبر الهجوم على أحد الأعضاء هجومًا على الجميع، يعني أن المناوشات المحلية يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى حرب شاملة تشمل عدداً كبيراً من الدول.
التأثير الفوري على الحضارة البشرية
سيكون التأثير الفوري للحرب العالمية الثالثة كارثيًا على عدة جبهات... ستكون أكثر العواقب وضوحًا هي الخسائر البشرية الكبيرة... في حرب تقليدية، يمكن أن تُفقد ملايين الأرواح في ساحات القتال حول العالم... ومع ذلك، فإن استخدام الأسلحة النووية، حتى على نطاق محدود، سيؤدي إلى دمار لا مثيل له ولا يمكن حتى تصوره بالمفاهيم الحالية. القصف الذري لهيروشيما وناجازاكي في عام 1945 أسفر عن مقتل أكثر من 200,000 شخص، مع ضرورة توضيح أن ترسانة الأسلحة النووية الحديثة أكثر قوة بمرات عديدة.
سيتبع ذلك انهيار اقتصادي عالمي بشكل فوري تقريباً... الترابط في الاقتصاد الحديث يعني أن الاضطرابات في منطقة واحدة يمكن أن تكون لها تداعيات على مستوى عالمي. ستنهار الأسواق المالية، وستتوقف التجارة الدولية، وسترتفع معدلات البطالة مع انهيار الصناعات.
الكارثة البيئية ستمثل تحدياً كبيراً أيضاً... سيؤدي استخدام الأسلحة النووية إلى سقوط غبار ذري هائل، مما سيؤدي إلى تلوث الهواء والماء والتربة... سيسفر ذلك عن مشكلات صحية طويلة الأجل مثل السرطان والعيوب الخلقية، كما شهد العالم على إثر كارثة تشيرنوبل في عام 1986.. بالإضافة إلى ذلك، هناك ما يعرّف بالشتاء النووي - حيث سيؤدي انتشار العواصف النارية والدخان إلى حجب ضوء الشمس، مما يعني انخفاضاً كبيراً في درجات الحرارة العالمية، ما قد يؤدي إلى فشل زراعي ومجاعة واسعة.
تسلط المصادر الروسية مثل وكالة تاس والمصادر الصينية مثل صحيفة الشعب اليومية الضوء على التأثير المدمر للصراع النووي؛ فهي تؤكد على الحاجة إلى نزع السلاح النووي وتركز في ما تنشره على العواقب الإنسانية والبيئية الكارثية لمثل هذه الحرب.
الحياة أثناء الحرب
ستكون الحياة أثناء الحرب العالمية الثالثة مختلفة تماماً مقارنة بما سبق الحرب... ستكون المدن الكبرى والبنية التحتية أهدافًا رئيسية، مما يعني دماراً واسع النطاق... الأمثلة التاريخية مثل قصف لندن خلال الحرب العالمية الثانية وتدمير مدن مثل حلب في الحرب الأهلية السورية توفر أمثلة قاتمة على دمار المدن، لكنها لا ترقى إلى مستوى ما سيشهده العالم بسبب حرب عالمية جديدة.
سيصبح النقص في المواد الغذائية وانتشار المجاعات هي القاعدة مع تعطل سلاسل التوريد العالمية... ستصبح الأغذية والمياه والإمدادات الطبية أمراً يندر الوصول إليها، مما يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية... حذرت الأمم المتحدة من أن النزاعات الحالية وتغير المناخ يدفعان بالفعل ملايين الأشخاص نحو المجاعة؛ وستضاعف الحرب العالمية هذه الأرقام بشكل هائل.
سيصبح التجنيد العسكري واسع الانتشار حيث ستقوم الدول باستدعاء ملايين الأشخاص للخدمة. سيكون لهذا الأمر تأثيرات اجتماعية عميقة، حيث ستتفكك العائلات ويُلقى بالمدنيين في أهوال القتال. قاد التجنيد العسكري في حرب فيتنام في الولايات المتحدة إلى اضطرابات اجتماعية واسعة ومقاومة؛ من المحتمل أن تشهد الحرب العالمية صراعًا اجتماعيًا أكبر بكثير.
ستخلق الحرب العالمية الثالثة أزمة لاجئين غير مسبوقة... أفاد مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين (UNHCR) في عام 2020 بأن ما يقرب من 80 مليون شخص قد نزحوا بسبب الصراعات والاضطهاد... ومن المحتمل أن تزيد الحرب العالمية الثالثة هذا العدد بمرات عديدة، حيث يفر الناس من مناطق القتال والمناطق المدمرة، التي ستمثل رقعة واسعة من الخريطة العالمية.
ما بعد الحرب
على افتراض أن البشرية ستنجو من الحرب العالمية الثالثة، سيكون الواقع بعدها كئيبًا ومختلفاً تماماً عما كان عليه الحال حتى لحظة اندلاع النزاع. سيعاد تشكيل المشهد السياسي العالمي بشكل جذري. قد تتضاءل أو تنهار العديد من القوى الحالية تمامًا، مما يعني ظهور كيانات سياسية جديدة... شهد النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية ظهور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي كقوى عظمى؛ قد يعيد الصراع الجديد تشكيل هياكل القوة العالمية ليخلق مشهداً جديداً.
اقتصاديًا، ستكون مهمة إعادة البناء هائلة... خطة مارشال، التي ساعدت على إعادة بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، كلفت ما يفوق 100 مليار دولار، بمقياس اليوم. ستكون جهود إعادة البناء الحديثة أكثر تكلفة وتعقيدًا بشكل كبير، مما يتطلب عقودًا من الجهد والتعاون الدولي.
اجتماعيًا، ستؤثر الجراح النفسية للصراع على أجيال قادمة. سيصبح اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) واسع الانتشار بين كل من المقاتلين والمدنيين... وستؤدي الصدمة الناتجة عن النجاة من صراع عالمي إلى اضطرابات اجتماعية، وأزمات صحية نفسية، وعدم ثقة عميقة في المؤسسات السياسية والعسكرية.
تكنولوجيًا، يمكن أن يتراجع التقدم لعقود. ستكون مرافق البحث، الجامعات، ومراكز التكنولوجيا أهدافًا رئيسية في أي صراع، مما يؤدي إلى فقدان عنصري المعرفة والابتكار... الحرب ستؤدي إلى تحويل الموارد المالية والبشرية من البحث والتطوير إلى الجهود الحربية... هذا الانقطاع سيؤدي إلى تأخير كبير في الابتكارات التكنولوجية. على سبيل المثال، قد يتوقف تطوير الأدوية الجديدة أو التقنيات الزراعية المتقدمة التي تساهم في تحسين الإنتاجية والأمن الغذائي.
سيكون لتدمير التراث الثقافي والعلمي تأثيرات طويلة الأمد على التقدم البشري... حيث يكون تدمير المواقع التراثية والأثرية بمثابة فقدان للتاريخ، وسيعني أيضًا تدميرًا للهوية الثقافية والشعور بالانتماء... الأهرامات، المكتبات القديمة، والمتاحف التي تحتوي على تراث إنساني قد تُدمر في الصراع.
المناطق الأكثر تأثرًا مباشرة
ستتحمل مناطق وسكان معينون عبء الحرب العالمية الثالثة. ستواجه أوروبا وأمريكا الشمالية، كمشاركين رئيسيين، عملًا عسكريًا مكثفًا وخسائر مدنية... ستكون مدن مثل لندن ونيويورك وموسكو أهدافًا رئيسية، مما يؤدي إلى خسارة كارثية في الأرواح والبنية التحتية.
ستصبح شرق آسيا، وخاصة الصين وجيرانها، ساحات قتال مهمة... من المحتمل أن تتفاقم التوترات التاريخية في بحر الصين الجنوبي وشبه الجزيرة الكورية، مما يجذب القوى الإقليمية والعالمية... وسيكون الدمار في هذه المنطقة ذات الكثافة السكانية العالية هائلًا.
ستشهد منطقة الشرق الأوسط مزيدًا من الاضطرابات، مع تفاقم الصراعات الحالية بسبب مشاركة إيران وخلق نقاط اشتعال جديدة... موارد الطاقة في المنطقة، والتي تمنحها أهمية استراتيجية، ستجعلها نقطة محورية للعمل العسكري.
المناطق التي ستكون آمنة (نسبياً)
قد تنجو بعض المناطق من أسوأ مشاهد الصراع، وإن لم تنج من تداعياته... قد تتجنب أمريكا الجنوبية وإفريقيا العمل العسكري المباشر بسبب بعدهما الجغرافي عن مسارح الحرب الرئيسية... ومع ذلك، ستعاني هذه المناطق من اضطرابات اقتصادية، وسقوط بيئي، وأزمات لاجئين.
قد تظل أوقيانوسيا، بما في ذلك دول مثل أستراليا ونيوزيلندا، بمنأى نسبيًا بسبب عزلتها... ومع ذلك، ستواجه تحديات كبيرة في التعامل مع الانهيار الاقتصادي العالمي وتدفق اللاجئين.
كلمة أخيرة
احتمال نشوب الحرب العالمية الثالثة هو سيناريو رهيب يجب على البشرية أن تسعى لتجنبه بكل الوسائل المتاحة... ستشكل الخسائر الكارثية في الأرواح، والدمار البيئي، والاضطرابات المجتمعية فصلًا مظلمًا في تاريخ البشرية... الدبلوماسية، والتفاهم المتبادل، والتعاون الدولي أمور حيوية للحيلولة دون الوقوع في تلك الهاوية، التي يبدو من الصعب جداً أن تكون للبشرية فرصة أخرى للبقاء بعدها.
إياد أبو عوض
No comments:
Post a Comment