تثير التصريحات الأخيرة التي نُسبت إلى الأميرال توماس بيوكانان،
المتحدث باسم القيادة الإستراتيجية الأمريكية (STRATCOM)،
موجة من القلق والاستياء... بوكانان ناقش احتمال "الانتصار" في حرب
نووية ضد روسيا، متجاهلًا على ما يبدو الخسائر الكارثية التي قد تنجم عن مثل هذا
الصراع. هذه التصريحات خطيرة للغاية، فهي تتحدى الإجماع العالمي الذي
يعتبر الأسلحة النووية أدوات للردع، وليست أدوات للحرب.
فكرة "الانتصار" في حرب نووية هي وهم خطير يجب التصدي له
وإيقافه قبل أن يتصاعد إلى تهديد وجودي حقيقي.
التحول المقلق في العقيدة النووية
على مدى عقود، كانت الأسلحة النووية تُعتبر في الأساس وسيلة للردع تذكير قاتم بقدرة البشرية التدميرية. تعتمد هذه الإستراتيجية، التي تُعرف غالبًا بمفهوم "التدمير المتبادل المؤكد" (MAD)، على الفرضية بأن استخدام الأسلحة النووية من قِبل أي قوة عظمى سيؤدي إلى إبادة جميع الأطراف المعنية... وقد كان هذا المفهوم ركيزة أساسية للأمن العالمي منذ الحرب الباردة، حيث حافظ على توازن غير مستقر ولكنه فعال بين الدول المسلحة نوويًا.
ومع ذلك، إذا كان مسؤولون مثل الأميرال بوكانان يدعون حقًا إلى
إمكانية "الانتصار" في صراع نووي، فإن ذلك يمثل انحرافًا خطيرًا عن هذه
العقيدة. مثل هذا الخطاب يقوض عقودًا من جهود الحد من التسلح ويشير إلى استعداد
للنظر في الحرب النووية كخيار قابل للتنفيذ وهو
احتمال مليء بالعواقب الكارثية.
التكاليف الكارثية للحرب النووية
فكرة "الانتصار" في حرب نووية ليست فقط غير أخلاقية، بل هي
أيضًا خاطئة إستراتيجيًا ومستحيلة عمليًا... أي صراع نووي مع روسيا—أو
أي دولة مسلحة نوويًا— سيؤدي إلى دمار غير مسبوق، بما في ذلك مقتل الملايين، مع
معاناة الناجين من إصابات خطيرة وأمراض إشعاعية؛ التسبب بحرائق ضخمة، وإطلاق
إشعاعات نووية، وإتلاف النظم البيئية على المستوى الطويل الأمد.. بالإضافة إلى ذلك،
فإن الحرب النووية قد تؤدي إلى "شتاء نووي" يحجب أشعة الشمس ويعطل
الزراعة العالمية، مما قد يتسبب في مجاعات على نطاق واسع، وينتهي بانهيار
اقتصادي وتدمير البنية التحتية في دول العالم.
قبول مثل هذه الخسائر كأضرار جانبية في سبيل تحقيق "النصر"
هو تخلي مروع عن المسؤولية الأخلاقية والإدارة العقلانية.
في الختام...
المناخ الجيوسياسي الحالي والنزاع القائم، الذي يتميز بتوتر متنامٍ
بين الولايات المتحدة وروسيا، يزيد بشكل كبير من مخاطر مثل هذا الخطاب... مع مواجهة،
مثل الحرب في أوكرانيا والخلافات حول دور الناتو في أوروبا، يرتفع احتمال سوء
الحسابات بصورة خطيرة... وإدخال مفهوم "الانتصار" في حرب نووية إلى هذه
المعادلة الصعبة قد يزعزع جهود السلام الهشة.
من الناحية الأخلاقية، من المستحيل الدفاع عن فكرة استخدام الأسلحة
النووية... إذ إن تأثيرها العشوائي الهائل على المدنيين يجب أن يبقيها في إطار الملاذ
الأخير، وليس أداة للطموح الإستراتيجي.
يجب أن يرفض العالم الوهم الخطير المتعلق بإمكانية
"الانتصار" في حرب نووية، وأن يعمل بشكل مكثف لضمان عدم استخدام مثل هذه
الأسلحة مرة أخرى. أي شيء آخر يمثل تهديداً لمستقبل كوكبنا بأسره.
المعتوه بيوكانون يتحدث عن إمكانية الفوز في حرب نووية ضد روسيا، بغض النظر عن الخسائر؟
يجب وقف هذا الجنون.
إياد أبو عوض
No comments:
Post a Comment