Friday, September 14, 2012

العلم للجميع... وبالمجان


من أولى المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، وهي مشكلات تتسبب دائماً في خلق ظروف تجعل من الصعب حتى البحث عن سبل تقود للوصول إلى حلول واقعية؛ نقول من أولى تلك المشكلات غياب التعليم بالمستوى الذي يتمتع به تلاميذ وطلاب المدارس والجامعات في الغرب، وفي عدد لا بأس به من مدارس وجامعات الشرق.
للأسف، نجد أن العملية التعليمية في الدول العربية لا تتجاوز كونها عملية تلقينية تغيب عنها تجارب الحض على البحث والتفكير باستقلالية والحث على فحص الأمور بصورة نقدية شكوكية... إذ أن أساس التعليم الحق يتلخص في خلق أفراد قادرين على الاعتماد على أنفسهم وعلى التفكير بشكل مستقل... واستقلالية التفكير تقود دائماً إلى الإبداع والابتكار.

لكن ماذا لو كانت هناك إمكانية متوفرة للجميع كي يحصلوا على تعليم متقدم من أفضل الجامعات والمراكز البحثية في العالم؟ بل فلنذهب أبعد من ذلك: ماذا لو كانت هناك إمكانية لتحصيل العلم والمعرفة من تلك المؤسسات مجاناً؟
رغم أن ذلك يبدو حلماً جميلاً لكثيرين حول العالم، فمن الواقعي الآن القول إن الحلم تحول إلى حقيقة.
الفكرة ليست وليدة اليوم، فالعديد من الجامعات بدأت منذ أعوام طويلة في توفير برامج دراسية لعدد من التخصصات عن طريق المراسلة... في البداية، كان الحصول على المواد الدراسية (الكتب مثلاً) بالبريد، في حين كان الطلاب يتقدمون بالامتحانات بأشكال عدة، منها ما يسمى بامتحانات الكتاب المفتوح، أو بالتوجه إلى مراكز معينة توفر أماكن مرخص لها بتأدية الامتحانات لتلك الجامعات... ثم تطورت أساليب الدراسة عن بعد، فقد دخلت، بالإضافة للمواد المطبوعة، تكنولوجيات الفيديو والتسجيلات الصوتية لتمكن الطلاب من "مشاهدة" المحاضرات والاستماع للأساتذة والتجهيز للامتحانات بشكل أفضل... ثم وصلنا عصر الإنترنت الذي فتح للجميع كل الأبواب... فبدأت جامعات في توفير برامجها الدراسية "أونلاين"؛ ما يمكن الطالب من تنزيل الكتب وتسجيلات الفيديو الخاصة بالمحاضرات، بل والاستعانة كذلك بأدوات الوسائط المتعددة Multimedia للحصول على فهم أوسع وإدراك أشمل للمادة العلمية التي يقوم بدراستها.
لكن المشكلة التي تواجه البعض (بخاصة في الدول النامية والفقيرة) لن تحل بتوفر هذه البرامج الدراسية على شبكة الإنترنت، إذا كانت تكلفتها تفوق استطاعتهم... وهنا جاء دور الخيرين ممن يؤمنون بأن التعليم حق للجميع وأنه من غير المقبول أخلاقياً ما وصلته بعض الجامعات الآن فيما يتعلق بوضع رسوم باهظة جداً تمنع الغالبية العظمى من الراغبين في الدراسة من الالتحاق بها؛ وهو ما خلق المزيد من التفرقة بين الطبقات الاجتماعية بل وعمقها... هؤلاء رأوا أنه من الضروري توفير المعارف البشرية لأي شخص، سواء كان في قرية في بنغلاديش أو في بلدة صغيرة بتنزانيا... هم يدركون كذلك أن الحصول على تعليم بدرجة معينة يعني التخلص من دائرة الفقر والتعصب القومي والديني، ويسمح للمرأة بالخروج من نطاق الاستبداد الذكوري الذي يسيطر على مجتمعاتنا؛ فالعلم يوسع المدارك ويفتح آفاقاً جديدة، وبما أنهم يعرفون مستويات الدخل في عدد كبير من دول العالم، فقد قرروا تقديم خدماتهم التعليمية من دون مقابل مادي... كل ما هو مطلوب من الراغب في الدراسة هو جهاز كمبيوتر واتصال بشبكة الإنترنت.
أول من فتح الباب أمام هذه الإمكانية بشكل واسع كان سلمان خان الذي يقدم عن طريق موقع أكاديميته www.khanacademy.org عدداً كبيراً من الدورات التعليمية المدعمة بتسجيلات الفيديو لمستويات تعليمية مختلفة (ابتداء بالمراحل المدرسية وانتهاء بالجامعية)، وذلك في موضوعات دراسية متنوعة؛ منها الرياضيات والكيمياء والفيزياء والبيولوجيا وعلوم الكمبيوتر وغيرها.. كل ما عليك عمله هو التسجيل واختيار الموضوع الذي ترغب بدراسته والانطلاق على الفور.
موقع آخر يقدم عدداً محدوداً من الدورات الجامعية هو موقع www.udacity.com... الموقع الذي أسسه كل من سباستيان ثران وديفيد ستافنز ومايك سوكولسكي يقدم 15 دورة مختلفة بمستويات ثلاثة: ابتدائية، متوسطة، ومتقدمة... يمكن لأي شخص التسجيل والالتحاق بأي دورة ومتابعة تسجيلات الفيديو الخاصة بها، ثم التقدم للامتحان في أي وقت يريد والحصول على شهادة توثق الجهد الذي بذله في الدراسة وفي اجتياز الامتحان.

الجهد الأكبر جاء من مجموعة أخرى قررت توفير دورات جامعية تتوفر لدى الطلاب الملتحقين بأفضل الجامعات في العالم وفي تخصصات عدة... مؤسسو موقع www.coursera.org تمكنوا من التعاقد مع عدد كبير من الجامعات المرموقة كي توفر موادها التعليمية لأي شخص يرغب في الدراسة... وبخلاف ما هو متبع في أكاديمية خان ويوداسيتي، فللدورات مواعيد يجب احترامها وتواريخ محددة للامتحانات... وبالإضافة إلى كل ذلك فإن الحصول على شهادة تثبت التحاقك بالدورة وتجاوزك امتحانها يتطلب حصولك على معدل لا يقل عن 75% في معظم الحالات... من المعاهد والمؤسسات التعليمية التي تقدم خدماتها والتي يشارك أساتذتها في هذا الجهد الإنساني العظيم نجد من الولايات المتحدة جامعات ديوك وجونز هوبكنز وبرنستون ورايس وستانفورد وكاليفورنيا وواشنطن وفرجينيا وبنسلفانيا وغيرها، ومن اسكتلندا جامعة إدنبرة ومن كندا جامعة تورونتو ومن سويسرا جامعة البوليتكنيك بلوزان ومن الهند المعهد الهندي للتكنولوجيا.
آخر هذه الجهود جاء من مؤسسة قامت بالتنسيق لتقديم برامج تعليمية خاصة بجامعتي هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للجميع... موقع المؤسسة www.edx.org يقدم في الوقت الحالي سبع دورات تعليمية في الكيمياء وعلوم الكمبيوتر والذكاء الصناعي والإلكترونيات وغيرها... الدراسة هنا، كما في كورسيرا، لها قواعد محددة: مواعيد لإتمام المحاضرات وتأدية الامتحانات... وفي حالة اجتياز أي من الدورات بنجاح وبدرجة لا تقل عن الحد الأدنى المطلوب، يمكن للطالب الحصول على شهادة من الجامعة ذات الصلة.
في النهاية، لم يعد هناك سبب يمنع أي شخص من الدراسة والتعلم وتعميق فهمه للكون وزيادة مهاراته وتطوير قدراته بالاستعانة بعالم من المعارف الذي تقدمه أفضل المؤسسات العلمية والتعليمية في العالم أجمع.

8 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. كان الهدف تطوير الذات وتوسيع دائرة المعارف فالفكره ادت الغرض
    المشكله في هذه البرامج ان معظمها غير معتمد في منطقتنا على الاقل ويعود ذلك لسيطره الانماط التقليديه والقديمه على الناتج التعليمي
    بالتالي قد يحجم من يبحث عن تطوير مستوى معيشته من خلال هذه الشهاده عن ذلك مفضلا التعليم النظامي والذي قد لا يكون اصلا بجوده التعليم عن بعد في بعض المناطق

    ردحذف

    ReplyDelete
    Replies
    1. المسألة لا تتعلق أبداً بالبحث عن تعليم بغرض الحصول على وظيفة جديدة أو دخل مادي أفضل.. الأصل في المسألة هو حب المعرفة والرغبة في الحصول على المعلومات الحديثة والتي يتم تجديدها وعدم الاكتفاء بما حصل عليه الإنسان في مدرسته وجامعته.. الأساس هو الفضول والرغبة في الاطلاع وتطوير الذات والبقاء دائماً على تواصل مع عالم يتطور في حين يبقى فيه كثيرون متخلفين عن الركب.. كيف يمكن لأي شخص عدم الاستفادة من هذه الفرصة التي تقدمها أفضل الجامعات في العالم.. وبالمجان؟

      Delete
  3. اذا الهدف المعرفه فقط وبالمجان يعتبر بلاده وغباء عدم الاستفاده من هذه البرامج لكن الا تلاحظ ان روادها من العرب اقلاء حتى لو كانو بالمجان
    وهنا نعود للبدايه اسس التعليم خطأ أسباب تلقي التعليم مقرونه بماذا نريد منه ودائما مربوط بمردود مادي يعني حتى نوايانا انجاه التعليم ماديه

    ReplyDelete
    Replies
    1. لن اكون سودوايه
      هناك فعلا طلبة علم ومعرفة يبحثون عنها بنهم باستمرار ويقدمون اثمن جواهر العلم للناس بدون مقابل اسميهم ملهمين بدرجه الانباء 😆

      Delete
  4. This comment has been removed by a blog administrator.

    ReplyDelete

Motorola StarTAC 130 الإرث المتواصل لهاتف

في عام 1998، شهد العالم ولادة أسطورة—Motorola StarTAC 130. لم يكن مجرد هاتف محمول؛ بل كان رمزًا للابتكار، والتصميم الأنيق، والموثوقية الثابت...