التقنية.. بين الأمس واليوم
من حين لآخر، يعود كل منا بذاكرته إلى أحداث معينة في
الماضي؛ بعضها قد يكون محبباً والبعض الآخر لا طابع محدداً له، فيما يكون منها ما
تشوبه مشاعر حزينة أو مؤلمة.. هذه طبيعة بشرية، نسافر في الزمن لنعيش لحظة ما مرات
ومرات، أو نعود بتلك اللحظة إلى الحاضر لنقارن بين ما كان وبين ما نحن فيه اليوم..
ومن الغريب فعلاً أن عدداً قليلاً منا يدرك حجم التغير الذي طرأ على حياتنا،
ومقدار الاختلاف الذي سرنا في دربه منذ بضع سنوات وحتى يومنا هذا.
قبل 20 عاماً، كان انتظار مكالمة هاتفية هامة يتطلب منك
البقاء في المنزل بجانب جهاز الهاتف طوال اليوم.. لم يكن بإمكاننا حمل أداة
الاتصال والتنقل بها في أنحاء المدينة، حتى تصلنا المكالمة أو الرسالة النصية..
قبل 20 عاماً، كان التواصل مع أصدقائك أو أفراد عائلتك المقيمين في الخارج يعني
ضرورة أن تقوم بإحضار قلم وورقة، كتابة رسالة بخط اليد أو طباعتها، وضعها في مغلف
بريدي، كتابة عنوان المرسل والمرسل إليه على المغلف، ثم التوجه إلى مكتب البريد
لوضع طابع بريدي عليها وإرسالها.. ثم قد يستلمها الشخص المطلوب خلال أسبوع، أو
شهر، أو ربما أكثر.. لم يكن لدينا حينها الإنترنت والبريد الإلكتروني ومواقع
التواصل الاجتماعي أو برامج مثل Whatsapp أو Viber أو غيرها..
قبل 20 عاماً، كان الحصول على جهاز كمبيوتر بحد ذاته أمراً فريداً وحدثاً مميزاً،
بالرغم من أن عمله كان محدوداً للغاية مقارنة باليوم؛ إذ كان يستخدم للكتابة
والطباعة ومشاهدة الفيديو (عن طريق الأقراص المضغوطة CD-Roms) أو لنقل المعلومات من جهاز لآخر عبر الأقراص المرنة "Floppy Disks"، أما الإنترنت (في الدول
القليلة التي تمتعت بوجود أولى صوره البدائية)، فقد كان يعتمد على تقنية تعرف باسم
"Dial-up" كانت سرعة الاتصال من
خلالها لا تتجاوز 40 كيلوبت في الثانية (الحد الأقصى المطلق كان 56 كيلوبت).
هذه المقدمة كتبتها بعد تذكري لحظة شرائي جهاز الكمبيوتر
المحمول الأول في حياتي.. بعد بحث ودراسة وتقصي حقائق، قررت شراء جهاز Compaq Presario 1400 (في الصور).
الجهاز كان يحتوي على آخر التقنيات وأكثرها تقدماً (في ذاك الوقت طبعاً).. بعد مرور هذه الذكرى أمام عيني لبعض الوقت، واسترجاعي شعوري بالسعادة بعد تشغيله لأول مرة، عدت بالزمن إلى الحاضر، لأقارن الكمبيوتر الذي امتلكه اليوم بذلك الجهاز السحري الذي دخل بيتي لأول مرة عام 2000.
عام ألفين كنت سعيداً بجهازٍ قرص الذاكرة فيه 6
جيجابايت، نعم كان هذا كل ما يمكن للجهاز حفظه، علماً أن نظام التشغيل الذي جاء به
(Windows Millennium) كان يحتل جزءاً
من تلك المساحة، وهو الذي قمت بتغييره لاحقاً إلى نظام Windows 2000 الأكثر سرعة وتطوراً (في تلك
الحقبة أيضاً).. المعالج في هذا الكمبيوتر كان Intel Celeron CPU 566 MHz.. والذاكرة العشوائية "RAM" في ذلك الجهاز كانت 64
ميغابايت... نعم ميغابايت.. بعد فترة، قمت بإضافة 64 ميغابايت أخرى للجهاز، لتصبح الذاكرة
128 ميغابايت.. الجهاز جاء بقارئ أقراص مضغوطة "CD"، في حين كان قارئ
الأقراص المرنة خارجياً.
إذا علمنا أن الجهاز الذي استخدمه اليوم يحتوي على 2
تيرابايت (أي ما يعادل ألفي جيجابايت)، وأن المعالج فيه ثنائي النواة Core i7 بسرعة تصل إلى 3GHz (أي ما يعادل نحو ست مرات لكل نواة مقارنة بجهازي الأول الأحادي النواة)
وأن الذاكرة العشوائية RAM تبلغ 16 جيجابايت (أي 16 ألف ميغابايت، وهي الزيادة الأكبر مقارنة
بكل المواصفات الأخرى)، فإن حجم التغير والتطور يصبح أقرب إلى التصور بالنسبة
للجميع.. وإذا أضفنا إلى ذلك أن سرعة المودم الذي كان في جهازي الأول لم تتجاوز 56
كيلوبت في الثانية، مقارنة بسرعة الكمبيوتر الحالي والتي تصل إلى 866 ميغابت في
الثانية (علماً أن الميغابت يعادل 1024 كيلوبت)، فإن الصورة تصبح واضحة تماماً.
بالفعل، الأجهزة اليوم أكثر تطوراً وسرعة، ويمكنها
القيام بمهمات تفوق بعشرات المرات مقارنة بتلك التي كانت قادرة على إنجازها قبل 17
عاماً.. لكن هذا لا ينفي أن السعادة التي غمرتني لحظة شرائي جهازي الأول لم تتكرر
أبداً، بالرغم من شرائي أجهزة عديدة منذ ذلك الوقت.
مقال رائع ومؤثر جدا..
ReplyDeleteننتظر العدد الجديد من آفاق العلم لنتمتع بمعلوماتها الرائعة..وشكرا
عدت بنا إلى الماضي الجميل بذكرياتك الحلوة ,
ReplyDeleteشكراَ لك , بانتظار آفاق العلم الرائعة .
فعلا العالم في تقدم تقني متسارع ... مقالة رائعة شكرا لك
ReplyDelete