Friday, August 28, 2020

ليس مثل كل يوم



يخرج من بيته كما في كل صباح، وعندما ينزل من البناية، ينظر إلى الأعلى ليراها تودعه من النافذة، لكنها اليوم لم تكن هناك، وبالرغم من أن الأمر لم يكن معتادا بالنسبة إليه، فقد مر الحدث من دون تساؤلات كثيرة، إذ لربما تأخرت عن موعد خروجه اليوم، أو رن هاتف البيت، فذهبت للرد عليه، أو أي شيء آخر، لم يعر اهتماماً للأمر، وانطلق في سيارته باتجاه عمله.
لم يكن المشهد في طريقه كما عهده كل يوم؛ الازدحام غاب عن الطرقات، الأرصفة خالية من المشاة، المحال التجارية، بالرغم من أن أبوابها مفتوحة، لا يوجد بها زبائن، وحتى أصحابها ليسوا بداخلها.. وفجأة، بدأ يدرك الأمر؛ "أنا الوحيد هنا"، إشارات المرور كلها خضراء، ولا سيارات في الشارع إلا سيارته.
"هل هو يوم عطلة وطنية؟" يوقف سيارته إلى جانب الطريق، ويخرج هاتفه المحمول من جيبه ويبحث فيه؛ "لا، اليوم الإثنين" ولا يصادف تاريخه أي مناسبة دينية أو وطنية أو قومية.. يجرب الاتصال بزوجته، أراد أن يسألها، ربما فاته شيء، ربما.. يتصل بها، لكنها لا تجيب، يفكر في العودة إلى بيته، لكنه بات ِأقرب إلى الشركة التي يعمل بها، فيقرر مواصلة طريقه، على أن يتصل بزوجته حال وصوله. وإن كان باليوم عطلة ما، فبالتأكيد، سيجد أبواب الشركة مقفلة.. لكنه يصل، ويجد الباب مفتوحاً، يدخل وحيداً، لا يقابل أيا من زملائه في طريقه إلى مكتبه، حتى موظفو الأمن غائبون.. يصل إلى مكتبه، يضع حقيبة يده، ويذهب لتفقد بقية المكاتب في الأقسام المختلفة؛ الأنوار مضاءة، أجهزة الكمبيوتر وشاشاتها كلها تعمل... لكن لا أحد. يتوجه إلى النوافذ، ينظر إلى الشارع، كل شيء يبدو طبيعيا، بالنسبة إلى يوم مشمس، التفاصيل هي ذاتها، لكن من دون أي إنسان... أو حيوان.. أين الطيور؟ أين القطط؟

يعود إلى مكتبه وفي رأسه ألف سؤال، أين الجميع؟ ما الذي حدث؟ ولماذا أنا وحدي، من دون كل البشر، موجود هنا، أو في الشارع أو في المدينة كلها؟ يخرج هاتفه مجددًا، يحاول الاتصال، لكن ما من مجيب.. يحاول الاتصال بأخيه، بوالدته، بأصدقائه، لكن من دون جدوى.
يحاول الاتصال عبر الإنترنت بأي شخص، يحاول بكل الطرق وباستخدام كل التطبيقات، لكنه بدا وحيداً يصرخ في صحراء مقفرة، لا يجيبه فيها أحد، ولا يسمع صوته فيها بشر.. يحمل الحقيبة مجدداً، ويقرر المغادرة والعودة سريعاً إلى بيته، يتوجه إلى المكان الذي ركن فيه سيارته، يجد المكان، لكن سيارته اختفت، يبدأ في البحث في كل مكان حوله، ربما يكون قد تركها في موقع آخر، هل يكون، وبسبب الحالة النفسية التي كان فيها، قام بركنها في موقف غير موقفه المعروف؟ لكن كل المواقف خالية، لا توجد سيارات على الإطلاق، لا سيارته ولا سيارات غيرها.. "ما الذي يحدث اليوم؟" يفكر بصوت عال: "كيف أعود إلى بيتي؟ لا أرى سيارات أجرة، ولا أرى حافلات نقل".. يخرج هاتفه مجدداً، ويفتح تطبيق سيارات الأجرة، "نعم، إنه يعمل", يطلب سيارة، أي تكسي، كل ما يريده هو العودة إلى بيته وزوجته وأبنائه.. تطبيق المحمول يؤكد أن السيارة ستصل خلال ثلاث دقائق.. ينتظر وينتظر.. لكن الدقائق الثلاث لا تنقضي.. "ما العمل؟" يعاود محاولة حجز التاكسي؛ هذه المرة، عليه الانتظار خمس دقائق.. ومجدداً، يبقى عداد الوقت في التطبيق كما هو، لا يتغير... خمس دقائق.. يقرر العودة مشياً على الأقدام.. قد يستغرقه الأمر ثلاث ساعات أو أكثر، لكن ما من خيار آخر.
يبدأ مشوار العودة، خطوات متسارعة.. الحر شديد، الشمس حارقة، يفكر خلال تحركه، "لم تكن الحرارة مرتفعة هكذا قبل قليل، كل شيء غريب اليوم".. لكنه يواصل المشي.

 

يتبع...

No comments:

Post a Comment

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...