Saturday, September 12, 2020

ليس مثل كل يوم - 2

 


أثناء سيره في طريق العودة، تتوارد الأفكار على ذهن سامي، تتدفق كفيضان عارم، "أين الجميع؟" ينظر في كل الاتجاهات، لا يرى أحداَ، يتوجه إلى مقهى مفتوح تفوح منه رائحة القهوة، يدخل، يدور بين الطاولات الصغيرة، هناك فنجان قهوة ساخنة على المنضدة، يقترب منه، يتناوله ويتذوق القهوة.. يعيد الفنجان إلى مكانه، ويغادر، عاجزاً عن الفهم أو حتى محاولة تفسير ما يراه، أو بالأحرى، ما لا يراه في هذا المشهد الغريب الماثل أمام عينيه.


يعود إلى مسيره، وفي كل دقيقة، يخرج هاتفه من جيبه، ويحاول الاتصال بزوجته؛ ثم يعيده.. لا فائدة.

وخلال تحركه، يبدو أن الطريق تتحرك تحت قدميه ببطء شديد، بطء يجعله يحاول الهرولة تارة والجري تارة أخرى، يشعر بالإرهاق بسرعة وكأنه قطع مسافات شاسعة، رغم أنه لم يتحرك إلا بضعة أمتار.. يتوقف إلى جانب الشارع، ينظر إلى نوافذ المنازل المحيطة، إلى السيارات المتوقفة على جانبيه، يجلس على الرصيف، يغلق عينيه، أملاً في أن يتغير كل شيء عندما يفتحهما مجدداً، لكن الوضع باق على حاله.


ينهض ويعود إلى المشي، يخلع سترته، فالحر شديد، والسماء صافية لا سحب فيها على الإطلاق، وحدها حرارة نور الشمس الساطع، توجه ضرباتها إلى رأس سامي، يتعرق ويشعر بدوار شديد، يبحث عن مكان يستظل به، يدخل في إحدى البنايات، ويجلس على درجات السلم، يصرخ: "مااااا هذاااااا؟ ما الذي يحدث اليوم؟" في تلك اللحظة، يسمع صوت حركة في الشقة على يمينه، يقف ويتوجه إلى بابها، يقرع الجرس، يدق الباب، يكرر المحاولة، لا يجيبه أحد، ولا يفتح له الباب أحد.. لكنه يشعر بوجود شخص ما، أو شيء ما في الشقة.. يحاول اقتحام المنزل بفتح الباب عنوة، وبكل قوته، ينجح في دخول الشقة.. يبدأ في البحث في أرجائها، يدخل إلى غرفة النوم، يجد رجلاً جالساً على طرف السرير، وقد بدت عليه علامات الخوف، والدهشة، لرؤية صديقنا، الذي يتوجه إليه ويسأله: "من أنت؟ أين الباقون؟ لماذا باتت المدينة مدينة أشباح؟" تأتيه الإجابة من شخص يرتجف جسده رعباً: "لا أعرف، أفقت من نومي هذا الصباح لأجد نفسي وحيداً، زوجتي وأولادي وكل شخص أعرفه، كلهم اختفوا.. من أنت؟ من أين أتيت؟"، يتحدث ورعشة صوته تشي بذعر عميق يشعر به.. يجيبه: "أنا؟ اسمي سامي، خرجت من بيتي هذا الصباح.. خرجت، كما في كل صباح، إلى عملي.. لكن، ليس هناك من بشر.. بحثت في كل مكان.. أين ذهبوا؟" يخيم الصمت.. والرجلان ينظران إلى بعضهما بتوجس، لا يثق أي منهما بالآخر، مع أنهما يعيشان في نفس الواقع الغريب، الذي يصعب تفسيره أو حتى وصفه.
يسأل سامي: "هل يمكنني شرب بعض الماء من مطبخك؟"

يومئ الرجل برأسه إيجاباً.. يتوجها معا إلى المطبخ، يخرج زجاجة من الثلاجة ويقدمها إلى سامي، يشرب منها ويعيدها إلى الثلاجة.. 
-"
هل نخرج معاً؟ قد يكون هناك آخرون".. يقول سامي؛
-"
لا، أنا باق هنا.. ماذا لو عادوا؟ يجب أن أكون في انتظارهم."
-"
كما تريد.. أنا سأواصل المسير.. يجب أن أعود إلى بيتي.. منى في انتظاري، بالتأكيد هي خائفة الآن".
يتوجه إلى الباب، ينظر خلفه.. "آسف على اقتحام منزلك".. ويغادر.. يصل إلى الشارع مجدداً، ثم يتذكر، لقد ترك حقيبته في الشقة، يعود مسرعاً.. ليجد الباب الذي كسر قفله قبل قليل، موصداً، وكأن شيئاً لم يكن.. يحاول مجدداً فتح الباب، يقرر اقتحامه، ويتمكن مجدداً من الدخول.. لكن في هذه المرة، الشقة فارغة تماماً.. أما حقيبته، فلا وجود لها.. يتوجه إلى الثلاجة، ليعثر فيها على الزجاجة مغلقة لم تُفتح.. يهز رأسه، يلقي نظرة على المكان، ثم يغادر.


يجلس عند مدخل المبنى.. يستعيد ذكريات الأسبوع الماضي.. حديث تحول إلى نقاش محتدم مع زوجته، عن وضعهما المالي.. ديون كثيرة، بعضها للبنوك، والبعض الآخر لوالديها.. وتكاليف المعيشة وأقساط المنزل ورسوم المدرسة الأجنبية لابنيهما.. تقول له إن عمله لا آفاق تطور له في المستقبل، وتطلب منه البحث عن وظيفة جديدة، يجيبها بحدة، أنه حاول ويحاول، لكنه لم يتمكن حتى الآن من العثور على أي فرصة أفضل، تقول له إنه لا يبحث بجدية.. وإن الأمر سينتهي إلى كارثة، إن لم يفعل شيئاً وبسرعة.


يعود سامي إلى يومه الغريب.. وينظر إلى الجانب المقابل من الشارع.. يبتسم.. ثم ينهض، ويبدأ في التوجه إلى الجانب الآخر.

يتبع...

No comments:

Post a Comment

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...