Wednesday, December 19, 2012

حول نهاية العالم


كثر الحديث في الأيام القليلة الماضية، ولسنوات قبل ذلك، عن قرب نهاية العالم... إذ أن متابعي شائعات النهاية ومنتظريها يؤمنون بأن كل ما نعرفه سيصل إلى خاتمته في الحادي والعشرين من الشهر الجاري... من أين استدلوا على ذلك؟ مما يعتقدون أنها نبوءة تركها لنا شعب المايا الذي انتهت حضارته في القرن الثالث الميلادي.
الأنباء تحدثت خلال الفترة الأخـيرة عن أفراد ومجموعات في دول عدة حول العالم بدأت في التحضير لهذا الحدث؛ الذي يبدو من الطريقة التي يتحدث فيها البعض عنه وكأنه منتظر، بل وبفارغ الصبر... أعداد كبيرة من الناس ربطت ما تؤمن بأنه نبوءة المايا بمعتقداتها الدينية... آخر تلك المجموعات أو الطوائف الدينية المسيحية ما يعرف بطائفة الرب العظيم؛ والتي قامت السلطات الصينية بإلقاء القبض على خمسمئة من أتباعها ولذلك لعملهم على ترويج ما وصف بالشائعات حول نهاية العالم القادمة وبمصادرة الآلاف من المطبوعات والأقراص المدمجة والكتب التي تروج للنهاية السوداء للعالم والبشرية والحياة كما نعرفها... ألم يكن للجهد الذي بذل لكتابة وطباعة ونسخ تلك الترهات فائدة لو كان استُخدم في غايات أخرى؟
الغريب في المسألة كلها هو: كيف تمكنت أديان وطوائف مختلفة من الربط بين معتقداتها، التي من المفترض أن يكون أصلها الله أو المسيح أو موسى، وبين معتقدات المايا ونبوءات شعب المايا الذي عاش في قارة لم تكتشف حتى نهاية القرن الخامس عشر بعد الميلاد؟ كيف تمكنت عقول أتباع تلك الطوائف من قبول هذا الربط الغريب بين بنى دينية لا رابط بينها، لا في الأسس اللاهوتية ولا في التاريخ ولا حتى في الجغرافيا؟ كيف أمكن لهم أن يثقوا بهذه الصورة العمياء بتصور محوّر ومحرف لما تركته حضارة كان دينها يحض على تقديم القرابين أو الأضاحي البشرية، وبكثرة؟ وكيف يمكن لأي شخص أن يؤمن بما تركته حضارة لم يعرف شعبها تقدماً يذكر في العديد من المجالات التكنولوجية المعروفة، وبخاصة ما يتعلق بالمعادن؟
ثم لماذا دائماً هناك من هو مستعد، وبسعادة غامرة، لقبول أي معلومة تحدد تاريخاً خاصاً بنهاية العالم؟ لماذا هذا التلهف إلى التخلص من أثمن ما يملكه أي كائن حي: الحياة؟ كيف يمكن لأي شخص أو مؤسسة أو جماعة معرفة ما لا يعرفه كافة علماء الأرض في مجالات الفلك والفيزياء والجيولوجيا والبيولوجيا؟
الحقيقة هي أن تقويم المايا مكون من حقب تاريخية أو دورات زمنية، تنتهي الحقبة الأخيرة منها في فترة تقترب من التاريخ المعروف... ووفقاً للمايا، انتهاء حقبة يعني بداية أخرى، ولا يعني إطلاقاً نهاية التاريخ والبشر والكون.
العالم لن ينتهي في الحادي والعشرين من ديسمبر ألفين واثني عشر، كما لم ينته في الثالث من مارس ألفين وثلاثة وكما لم ينته مع قدوم الألفية الثانية وكما لم ينته في أي تاريخ تصوره كاذب أو ملفق أو دجال قبل ذلك... لكن المشكلة ليست في عدم نهاية العالم، بل في قبول الآلاف (وربما الملايين) كل مرة بأن هناك من يعرف ما لا يمكن معرفته، وبأن هناك إنسـاناً ذا علم يفوق ما يمكن للمعارف البشرية أن تصله. 

Saturday, November 24, 2012

الربيع العربي... ثورات إلكترونية؟

الثورات في تونس ومصـر وليبيا وسورية والبحـرين واليمن... ماذا كان دور التكنولوجيا في تفجيرها؟ وكيف تمكن الثوار في تلك الدول مـن استخدام أدوات العصر للتواصل والتنظيم ونشر الأفكار بأسلوب لم يكن قابلاً للتحقيق قبل سنوات قـليلة فقط؟ والأهم من ذلك كله، هل كانت الثورات تكنولوجية أم أنها كانت لتقع حتى في حالة غياب ما توفره لنا شبكة الإنترنت اليوم؟

مشـهد جـديد أتى من شـوارع مدن عربية عدة، شـباب وشـابات يخرجون للتظـاهر مسـلحـين بكـاميرات هواتفهم المحـمولة، ليتم بعد ذلك نشـر الصور وتسجيلات الفـيديو عـلى شـبكة الإنـترنت فوراً، ومعها آخـر الأخـبار عـن الأوضاع في بلادهم... لكـن لمـاذا الآن؟ الخـبيرة في مجال دور الإنترنت في النشاط السياسي بمعهد أوكسـفورد للإنترنت مريم أوراغ تـقول إن ارتفاع مسـتويات التعـليم والإحباط بسبب غـياب فرص العـمل وتوفر إمكانيات الاتصال الإلكترونية، كلها شـكـلت مزيجـاً متفجراً؛ « في العالم العربي- الإسلامي، لدينا قسـم كـبير مـن المجـتمع تحـت عـمر الثلاثين، والكثير من هـؤلاء لديهم درجات جامعية إلا أنهم عاطلون عن العمل... الإنترنت تحول إلى جـزء مـن حياتهم اليومية  »... لكن في كل حالة، كانت هـناك شـرارة أخـرجـت العملاق من قمقمه؛ في تونس كان مقـتل البوعزيزي وفي مصر مقـتل خالد سعيد، هذه الشـرارة هـي مـا دفع الآلاف للخـروج إلى الشـوارع للتعـبير عـن رفضـهم للوضع القائم ومطالبتهم بالتغـيير... الحـوار حـول هـذه التحـركات والدعوات للمشاركة فيها تمـت عـن طـريق الإنـترنت؛ سـواء باسـتخدام Facebook أو Twitter أو المدونات أو غـيرها... في تونس، دفع موت البوعزيزي المواطنين إلى تنظيم مظاهرات عـمت كافة المدن، وانتهت بفرار الرئيس زين العابدين بن علي في 14 يناير.

خـلال المظاهرات التي عـمت المدن المصـرية، الحـكومة المصـرية أوقـفت خـدمات
الإنـترنت في جـميع أنحـاء البـلاد... وهذه الفـتاة تسـأل: مـن يخـاف مـن تويـتر؟

في مصـر، أدى نشر تسجيلات مصورة لخالد سعيد وآثار التعذيب والضرب بادية على جـثته عن طريق موقع Youtube إلى تنظيم مظاهرات حـاشدة شهدتها مدن رئيسية يوم 25 يناير... الرد الحكومي جاء عـنيفاً ومدمراً... إلا أن المصريين واصلوا مظاهراتهم... فجـاءت محـاولات السـلطات عـزل المتظاهـرين وتجـميد سبل اتصـالهم عـن طـريق وقـف عـمل مواقع التواصل الاجـتماعي الأجـنبية والعـربية؛ حـتى وصـل الأمر إلى قطع كافة خـدمات الإنترنت والهاتف المحمول في البلاد (بما في ذلك الرسائل النصية SMS التي كانت تحـولت إلى أسلوب سريع وفعال في نقل المعلومات)... المسألة لم تكن بسـيطة؛ إذ أن مصـر هـي نقطة وصل فيما يتعلق بخطوط الإنترنت بين جـنوب شرق آسـيا وغـرب أوروبا عـن طـريق كابل ألياف بصـرية اسمه SEA-ME-WE 3 يبلغ طوله 39 ألف كيلومتر يمـتد من الهند والصين في قاع المحيط الهندي باتجاه قناة السـويس وحـتى مقاطعة كورنوال البريطانية... ومع كل هـذا، قررت حكومة القاهـرة قطع جميع الاتصالات الإلكترونية بين مصر والعـالم الخـارجي... ورغم الظلمة الإلكترونية التي أرادها نظام مبارك، فالظلمة التامة كانت مستحيلة؛ إذ أن عصر الإنترنت ووسـائل الاتصالات يوفر الإجابات دائماً، مهما كانت معقدة... وسرعان ما قام مـزودون لخدمات الإنترنت في فرنسا والسـويد وغيرهما بتوفير أرقام هاتفية مجانية يمكن للمصريين الاتصال بها للربط بالإنترنت عن طريق خطوط الهاتف الأرضية باستخدام تكنولوجيا Dialup التي تعد قديمة بعض الشيء وبطيئة للغاية؛ إلا أنها كانت وسيلة مقبولة لتبادل النصوص المكتوبة... كذلك كان هناك القـمر الصناعي الثريا 2 الموجود على ارتـفاع 35 ألف كيلومتر وهـو ما مكـّن مالك أي هاتف يعمل بتكنولوجـيا الأقمار الصناعـية من اسـتخـدامه كمودم للوصل بالإنترنت، رغم ارتفاع أسعار استعمالها لهذه الغايـة... هـذا قبل أن يبدأ البعض بإدخال لواقط أقمار صناعية خاصة بخدمات الإنترنت إلى البلاد... ثم ظهـرت خـدمات الرسائل الصوتية التي وفرتها مواقع Twitter و SayNow التابعة لـ Google ما سـمح لمسـتخدمي الهواتف الأرضية بالاتصال بأرقام معينة وترك رسـالة صوتية مسجلة ليتم نشرها على المواقع المعـنية... وهو ما ترك الباب مفتوحـاً أمام المواطنين كي يواصـلوا تنظيم تحركاتهم واسـتلام المعلومات الخاصة بتطورات الأوضاع في مناطق مختلفة من البلاد... لكن رغم انقطاع وسـائل الاتصـالات الذي أرادته الحـكومة، فعـالم ثورة المعلومات كان يسـمح للآلاف بتسـجيل الأحـداث (صور وفيديو) باسـتخدام كاميـرات هـواتفهم المحـمولة؛ ما سـمح للبعض بالاحـتفاظ بالتسـجيلات ونشـرها حالما سـنحت الفـرصـة... حـتى أن المتظاهرين في ميدان التحرير بالقاهـرة قرروا إنشـاء مركز إعلامي صـغير مكون من خـيمتين لجمع التسـجيلات التي جـاء بها زملاؤهم، ووفقاً لأحـد مسـؤولي ذلك المركز تمكن المشاركون فيه من جمع 75 غـيغابايت في السـاعات القليلة الأولى من العـمل.


أمر مشـابه يحـدث في سوريا حـتى الآن، إذ أن السـلطات تقطع كافة وسائل الاتصـال عن المدن التي تقع تحـت الحصـار وتحت وقع هـجـمات قوات الأمن والجـيش، لهذا يقوم المواطـنون باستخدام هـواتفهم لتسـجيل الوقائع ثم يقومون بنقل بطاقات الذاكرة إلى الحدود مع الأردن جـنوباً أو مع تركيا شـمالاً ليسـلموها إلى أشخـاص يقومون بنشـرها على الفور عـلى شـبكة الإنـترنت.
لكن مع إتمـام عـمليات التنظيم وإيصال المعـلومات، فإن المظـاهرات يجـب أن تـتجـدد عـلى الأرض؛ في شـوراع المـدن والبلدات التي يريد مواطـنوها تغـيير الحـاضر وصـنع المسـتقبل المشـرق الذي يتمنون قدومه... لهـذا، فالعـمل الحـقـيقي كان يـبدأ في الشـارع، بمشـاركة الآلاف وهـتافاتهـم والمطـبوعات التي كانوا يوزعـونها بين بعـضـهم وعـلى الآخـرين... مواجـهة قوات الشـرطة والجـيش لم تكـن تحـدث في عـالم افـتراضـي على شـبكة الإنـترنت، بل كـانت سـاحـتها كـل أنحـاء البلاد.

حـتى المصـطـلحات التي تم اسـتخـدامهـا من قـبل بعـض المتـظاهرين في مـصر وتونس
كـانت مرتبطة بالعـصـر الإلكتروني المعـلوماتي الذي نعـيشه؛ مـثل اسـتخدام كـلمة
Game Over التي تسـتعـمل دائـماً في الألعـاب الإلكـترونية.

والواقع الذي نشـهده اليوم هـو أنه في بعض الحـالات، كـما هـو الأمر مع نظـام القـذافي، المظاهرات السـلمية لم تؤت أكلهـا، فهي لم تجـبر العـقـيد عـلى التنحـي، حـتى أنه أراد قـتـل كافة المشـاركين فيها؛ مـا دفع المحـتجـين إلى حـمل السـلاح وبدء معـركة [انتهت بمقتله وانتصار الثورة].
الحـقـيقة أن المظاهـرات اتسـعـت وازداد عـدد المشـاركين فـيها بعـد قـطع خـدمات الإنـترنت والهـاتف المحـمول... وهـم لم يبـدأوا باحـتجـاجـاتهـم لأنهم قرروا القـيام بذلك مـن دون دافع؛ الأحـوال الاقتصادية المتردية: البطالة، تدني مسـتويات التعـليم، الخـدمات الصحـية البائـسة، الفسـاد، الظـلم... كـلها أسـباب دفعـت جـيل الشـباب إلى رفض الواقع المفروض عـليهم مـنذ عـقود... وهي التي دفعـتهم إلى مواجـهة عـناصر الشـرطة والجـيش المسـلحين... وهـذا يجـعلنا نرى بوضـوح الإجـابة عـلى السـؤال الرئيسي في هـذا المقال: هـل كـان الربيع العـربي ثورة إلكـترونية؟   الشـعـب، في كـل دولة،  وليس التكـنولوجـيا هـو من صـنع الثـورة... فالمواقع الإجـتماعـية لم تكـن لتعـمل لولا المسـتخـدمين... والمسـتخدمون في هـذه الحـالة كانوا ثوارا ً غـاضـبين راغـبين في التغـيير...[إلا أن الأدوات التكنولوجية هي التي قدمت له سلاحاً قوياً مكنهم من مواصلة المواجهة، والانتصار في نهاية المطاف]... هـذا أيضـاً يجـعـلنا نتسـاءل عـن عـلاقة الحـركات التي تدعي تمثيل الدين بعـصر التكـنولوجيا... والفاصـل الزمني ليس طـويلاً عـن الوقت الذي خـرج فـيه الرجـل الذي مثـل أعـلى سـلطة في هـرم أكـبر تـلك الحـركات على شـاشات التلفزيون في برنامج حواري شهـير، ليقول إنه لا يعـرف كـيفية اسـتخـدام الإنـترنت ولا كـتابة البريد الإلكـتروني ولم يعـرف مـن كـان بيل غـيتس... فما عـلاقة هـؤلاء بعصـر مكـن الشـباب من الثـورة عـلى واقعهم رغـبة في إعـادة بلادهم إلى مقدمة صف الحـضـارة؟ ولمـاذا يسـمح لهـؤلاء بالقـفز عـلى الثـورات وإدعـاء أنهـم هـم مـن أطـلقها وهـم الذين يسـتحـقون جـني ثمارهـا؟

الأشخاص الذين أطلقوا شرارة الثورة في تونس، وبعد ذلك في مصر، كانوا من
فـئة الشباب المتعـلم الذي كان يمثل الشريحة الأكبر فـيما يتعلق بالتعامل مع
خدمات الإنترنت والتي كانت قادرة على التواصل إلكترونياً.

بالتـأكـيد، الثـورة كـانت من نـتاج العـقول المنـفـتحة عـلى مـا يجـري في العـالم؛ عـقول أدركـت أن شـعوب بلادهـا تحـيا في المـاضي بظـلامه وتعـاسـته، وأدركـت أن الدولة المدنية الحـرة التي يعيش فيها مواطـنوها كـافة بمسـاواة وعـدل، هـي الدولة التي يرغـبون في تأسـيسـها والحـياة فيها... لهـذا يـتوجـب عـلى الجـميع الحـذر مـن عـدم انزلاق بلادهم إلى فوضى التخـلف والانقسـام والمواجـهة بين أبناء الوطـن الواحـد... عـلى مـن عـمل لإسـقاط الأنظمة البائدة أن يواصل العمل كي لا تسـقط البلاد بيد أنظمة مشابهة، شـكلها فقط هو المخـتلف. [وهذا للأسف هـو ما نشهده اليوم].

Tuesday, November 20, 2012

قصص الطوفان


يعـتقـد الكـثـيرون أن قـصة الطـوفان وسـفـينة نـوح وصـلتنـا فـقـط عـن طـريق الروايات الديـنية والكـتب المقـدسـة للديانات السـماوية الثـلاث؛ إلا أن الحـقـيقة هـي أن القصـة مـصدرها أسـاطـير سـبقت ظـهـور أي مـن تـلك الديانات... وفي الواقع، تشـير مـعـظم تلك الأسـاطـير إلى أنه بالفـعل كان هـناك طـوفان، لكـن الشـيطان يكـمن في التفـاصـيل... لمعـرفـة المزيـد، تـتـواصـل الأبحـاث العـلمية في مجـالات الآثـار والتـاريخ وحـتى الجـيولوجـيا لتحـديد أصـل هـذه القصـة ومصـدرهـا الحـقـيقي وظـروف ظـهـورها عـلى مـر العـصـور في ثـقافـات عـدة.

ملخص القصة: بعض البشر في زمن نوح كانوا ظالمين وتولوا عن عبادة الإله الواحد واستغنوا عنه، فغضب الإله عليهم وقرر الانتقام من البشرية جمعاء بإرسال طـوفان عـظيم يدمر كل شيء ويزيلها عن ظهر الكوكـب باسـتـثناء نوح نفسـه وعـدد من الأفـراد الذين آمـنوا برسالته... الإله أمر نوح ببنـاء سـفـينة كـبيرة تحـمله وتحـميه ومن معه إضـافة إلى زوجـين من كـل نوع حـيواني حـتى تـنحسر المـياه ويبدأ هـو وأتبـاعـه بإعـمار الأرض من جـديد.
اليوم، وبعد لحـظة من السعـادة الكـبرى التي جـاءت بعـد اكتـشافات عـالم الآثار البريطاني ليونارد وولي في مـدينة أور (العـراق) والتي اعـتقد البعض أنهـا تؤكـد حـدوث طوفان عـظـيم ربطـوه عـلى الفـور بالرواية الدينـية الخـاصة بسـفيـنة نوح، بعد تلك اللحـظة جـاءت البراهين العـلمية التي كان آخـرها الدلائل التي توصل إليها الجيولوجيان ويليام رايان ووالتر بيتمان والتي تؤكـد أن ما حـدث في تلك المنطقة جاء نتيجـة ارتفاع كـبير في منسـوب مياه البحـر الأسـود الذي وصـلته مياه من البحر المتوسط مروراً بمضيق البوسفـور، وذلك بحـدود العـام 5600 قـبل الميلاد... ووفـقاً للعـالمين، كل أسـاطير الطـوفان ما هي إلا السجل الجماعي الذي تمت كتابته حول تلك الكارثة الطـبيعية التي طُـبعت رعباً في ذاكرة الثقافات على مر الألفيات... لكن رغم ذلك، هناك الكثير من الادعاءات حول اكتشاف بقايا "سـفن" نوح في مناطق مختلفة مـن تركيا، أرمينيا، إيران وغـيرها في محـيط المنطقة ذاتها.

اللوحـة إلى اليسار تظـهر، وفـق الرواية الدينية، الآثـمـين الذين لم يصـدقوا نـوح بعـد تواصل هـطـول الأمطـار
وتشـكل الطـوفان الذي حـمل سـفـينة نوح بمن فـيها إلى النجـاة... الفسـيفساء إلى اليمين موجـودة في كنيسة
سان ماركـو بمدينة البندقية (فيـنيسـيا) شمالي إيطاليا، وتظـهر نوح وهـو يرسـل حـمامة بيضـاء لمعـرفة ما إذا
كانت قـد ظـهرت يابسـة في مكـان مـا مـن الأرض.


مصادر المعلومات وتعـددها
الوثـيقة الأقـدم المتوفرة لدينا Sumerian Eridu مـحـفوظة في متحـف بنسلفانيا وهـي باللغة السـومرية وتعـود للقرن الثاني والعشرين قـبل الميلاد، وتروي كـيف نصـح الإله إنكي الملكَ زيوسودرا ببناء قارب لإنقاذ عائـلته من الطوفان... اكتشـافها تم في العـام 1895 في مدينة نيبور (العـراق)... في الفـترة التالية لكـتابة الوثيقة دخـلت شـعـوب سامـية تلك المنطقة فـحـدثت تغـيرات عـلى اللغة لتصبح فيما بعـد الأكـدية (الأشـورية-البابلية)... في تلك الفـترة، كـتبت وثـيقة أخـرى؛ عـبارة عـن قصـيدة من 1245 بيتـاً تحـمل اسـم بطـلها؛ أترا-خـاسـيس (Atra-hasis)... هـذا الإسـم يعـني "الحـكـيم الكـبير"، الذي يسـاعـده إلهـه عـلى النجـاة مـن الطـوفان... هـذه الوثـيقة محـفـوظـة في المتحـف البريطاني.
نصـل بعـد ذلك إلى الوثـيقة الأكـثر شـهـرة في تاريخ بلاد الرافـدين؛ ملحـمة غـلغامش، والتي حـفرت على لوح طـيني تم العثور عليه عـام 1853 ضـمن مكـتبة الملك أشـوربانـيبال في نينوى بالعراق، إلا أنهـا تعـود لعصـر سـابق؛ ما بين القرنين الرابع عـشر والثالث عـشر قـبل الميلاد... في القصـيدة، يروي مؤلفها "شين إيقي أونيني" حـكاية غـلغامش كـلهـا في عـمل أدبي متكامل تدور فكرته حول البحث عـن الخلود ويـنـقـل أعمال ملك أوروك مع إنكـيدو وموت إنكـيدو وقصـة الطـوفان... وهـنا الإله إيا (أو إنكي بالسـومرية) يحـذر الرجـل الصالح أوتنابيشـتين من الكارثة ويطـلب منه بنـاء قارب ينـقـذ الأحـياء.
الباحـثون يؤكـدون أن أسـس رواية الفيضـان المذكـورة في ملحـمة غـلغـامش تـتطابق مع تـلك في قصـيدة أترا-خـاسـيس، مـا يعـني أن هـناك من نـقل عـن الآخـر، أو أن يكـون للوثـيقـتين مصـدر أقـدم منهـما ذكـر تـفاصـيل الحـكاية.
لكـن هـناك كـذلك وثائق تاريخـية حـول الموضوع ذاتـه ظـهـرت بعـيدة عـما ذكرناه سـابقاً؛ بعـيدة مكـانياً وزمـانـياً... مكانياً، هـناك لوح أوغـاريت؛ وهـي مـديـنة أثـرية تقع عـلى مسافة 12 كـيولومتراً شمال مدينة اللاذقـية السورية وتـطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط... اللوح يعـود للقرن الثالث عـشر قـبل الميلاد.
أما زمانـياً، فـهـناك الرواية المذكـورة في الكـتب المقدسة للأديان السماوية... وفيها نجـد اخـتلافات في بعض التفاصـيل؛ إلا أن المسـار العـام للأحـداث هـو ذاتـه لا يتغـير... وكذلك نجـد رابطـاً واضـحاً بين روايات الكـتب المقدسة وتلك التي وصـلتنا من نصـوص بلاد الرافدين: السـفـينة، الحـيوانات التي يتم إنـقاذها، الطـيور التي يتم إرسالها للتأكد من انتهاء الطوفان وغـيرها.
آخـر الوثائق الخـاصة بقـصة الطوفان تأتـينا من كاهن بابلي اسـمه بيروسوس في القرن الثالث قبل الميلاد... النص الأصـلي ضـاع ولم يتم العـثور عـليه، إلا أن ما وصـلنا كـان أجـزاء منه نـقلهـا أشـخـاص في عـهود لاحـقة.

تمـثال يظـهر غـلغـامش؛ ملك مديـنة أوروك السامـرية وفي يده أسـد... التمـثال محـفـوظ في متحـف اللوفـر بباريس.


أين هـي السـفـينة؟
المعلومات التي تـقدم لنا إجـابة عـن هـذا السؤال تـأتـينا من أربعة مصـادر رئيسية... الأحـدث هـو الـقـرآن الذي يحـدد مكان رسو سـفينة نوح عـند جـبل الجـودي (أو Cudi Dagh) جـنوب شـرقـي تركيا قرب الحـدود العراقية السـورية... المـصدر الثـاني هـو وثـيقة بيروسوس التي تـحـدد الموقـع عـند سـلسلة جـبال الأكـراد في أرمينيا (التي من المحـتمل أنها لا تمثل الدولة التي تحـمل ذلك الاسم اليوم)... ثم هـناك العـهـد القـديم الذي يحـدد المكـان بمنطـقة جـبال آرارات التي يـقـع أعـلاهـا عـلى بعـد 200 كـيلومـتر شـمال الجـودي... والوثـيقة الأقـدم بالطـبع هـي ملحـمة غـلغامش التي تحـدد اسم الجـبل الذي رسـت عـنده سـفـينة نـوح؛ نيسـير (أو نيموش وفق قراءة أخـرى)... ما سـاعـد العـلماء في تحـديد هـوية هـذا الجـبل اليوم هـو نص مـنقول عـن الملك الآشـوري آشـورناسـيبال والذي يدور الحـديث فيه عـن أحـد انتصاراته؛ وما يعـتقده المخـتصون أن الجـبل هـو جبل بيره مكرون في محـيط مديـنة السليمانية شمال شـرقي العـراق... ما تـبقى قوله هـو أن كل ما تـتـناقله بعض مواقع الإنترنت (الدينية منها على وجه الخصوص) حول اكتشاف بقايا للسفينة في أي من المواقع المذكورة عار تماماً عن الصحة ومرفوض بشكل كامل من قبل الوسط العلمي.




Thursday, November 1, 2012

عصر إلكتروني جديد

الحياة التي نعرفها اليوم تختلف تماماً عما عهده آباؤنا... الدنيا الآن ليست تلك التي تحدث عنها الفلاسفة والمفكرون قبل خمسين عاماً، فالعلم والتطبيقات التكنولوجية التي جلبها غيرت ملامح البشر وأسلوب حياتهم في كل مكان.
العالم يتحول تدريجياً نحو التطبيقات الإلكترونية، سواء برمجيات أو أجهزة، في كل ما كنا يوماً نعتمد عليه فيما يتعلق بالحصول على المعلومات أو بالترفيه، أو بالاتصال والتواصل مع المقربين أو مع العالم برمته.
ثورة المعلومات قدمت لنا وسائل جديدة جعلت حياتنا أسهل ويسرت وصول المعارف والأنباء إلينا... جزء كبير من هذه النقلة جاء مع انتشار أجهزة الهواتف الذكية التي مكنتنا من البقاء على اتصال بأصدقائنا وبزملائنا في العمل طوال اليوم وفي كل مكان... ثم أصبحت تلك الهواتف تقدم لنا خدمات تصفح الإنترنت وقراءة الكتب وسماع الموسيقى ومشاهدة الأفلام والاستمتاع بالألعاب الإلكترونية، والكثير الكثير... لكن ما أضاف لمسة سحرية إلى كل هذه الخيارات والخدمات كان، من دون شك، الكمبيوتر اللوحي.


شركة أبل، وإن لم تكن الأولى، نجحت في طرح منتج متكامل؛ خفيف الوزن، وسهل الاستخدام... الآيباد كان نقطة التحول الكبرى في هذا المجال؛ إذ فتح الباب أمام كل الشركات المنافسة للدخول في سوق جديدة... أبرز تلك الشركات كانت سامسونج التي توجهت نحو إصدار أجهزة لوحية قياس شاشاتها يتراوح بين 7 إنش و10، في حين قدمت شركة أسوس منتجات مثل ترانسفورمر حظيت بنجاح مماثل... أما شركات أخرى كانت لم تعرف الفشل سابقاً، مثل شركة RIM المنتجة لهواتف بلاك بيري، فقد تلقت صفعة تلو الآخرى، أولاً في مجال مبيعات هواتفها ثم في السقوط المريع لكمبيوترها اللوحي PlayBook.


الآن تنتقل أسواق الكمبيوترات اللوحية إلى مرحلة جديدة... فمع تصدر شركة أبل للمبيعات، برزت منتجات أخرى تنافس في الجودة وفي الأسعار... أكبر مثال على ذلك هو جهاز Google Nexus 7 الذي لاقى قبولاً كبيراً ونجاحاً غير مسبوق؛ إذ كانت المعادلة التي جلبها إلى السوق جديدة بالكامل، منتج متكامل بمواصفات متقدمة وسعر لا يمكن أن يقاوم... ليتبعه مؤخراً جهاز Nexus 10 الذي يؤكد كثيرون أن نقاء شاشته وكثافة عرضها الرقمية هي الأفضل على الإطلاق الآن.


ما كان حكراً على شركة أبل أصبح مفتوحاً أمام العديد من الشركات حول العالم؛ فدخول أمازون وغوغل وسامسونج وغيرها هذه السوق ودفعها هي الأخرى بمنتجات متفوقة، وبأسعار في متناول الجميع، شكل صفعة كبيرة لأبل... ما شجع شركة التفاحة الشهيرة هي الأخرى على طرح منتج بشاشة صغيرة (iPad Mini) رغم إعلان الراحل ستيف جوبز عام 2010 عن رفضه القاطع لتلك الفكرة وقناعته بأنها ستبوء بالفشل.

المهم في كل هذا الأمر هو أن الخيارات أمام المستهلكين أصبحت كثيرة وأجهزة الكمبيوتر اللوحي أصبحت واقعاً يحمله كل صغير وكبير أينما ذهب؛ تبقيه على اتصال مع العالم وتسمح له بزيادة معارفه ومعلوماته على الدوام.

Friday, September 14, 2012

العلم للجميع... وبالمجان


من أولى المشكلات التي تعاني منها مجتمعاتنا، وهي مشكلات تتسبب دائماً في خلق ظروف تجعل من الصعب حتى البحث عن سبل تقود للوصول إلى حلول واقعية؛ نقول من أولى تلك المشكلات غياب التعليم بالمستوى الذي يتمتع به تلاميذ وطلاب المدارس والجامعات في الغرب، وفي عدد لا بأس به من مدارس وجامعات الشرق.
للأسف، نجد أن العملية التعليمية في الدول العربية لا تتجاوز كونها عملية تلقينية تغيب عنها تجارب الحض على البحث والتفكير باستقلالية والحث على فحص الأمور بصورة نقدية شكوكية... إذ أن أساس التعليم الحق يتلخص في خلق أفراد قادرين على الاعتماد على أنفسهم وعلى التفكير بشكل مستقل... واستقلالية التفكير تقود دائماً إلى الإبداع والابتكار.

لكن ماذا لو كانت هناك إمكانية متوفرة للجميع كي يحصلوا على تعليم متقدم من أفضل الجامعات والمراكز البحثية في العالم؟ بل فلنذهب أبعد من ذلك: ماذا لو كانت هناك إمكانية لتحصيل العلم والمعرفة من تلك المؤسسات مجاناً؟
رغم أن ذلك يبدو حلماً جميلاً لكثيرين حول العالم، فمن الواقعي الآن القول إن الحلم تحول إلى حقيقة.
الفكرة ليست وليدة اليوم، فالعديد من الجامعات بدأت منذ أعوام طويلة في توفير برامج دراسية لعدد من التخصصات عن طريق المراسلة... في البداية، كان الحصول على المواد الدراسية (الكتب مثلاً) بالبريد، في حين كان الطلاب يتقدمون بالامتحانات بأشكال عدة، منها ما يسمى بامتحانات الكتاب المفتوح، أو بالتوجه إلى مراكز معينة توفر أماكن مرخص لها بتأدية الامتحانات لتلك الجامعات... ثم تطورت أساليب الدراسة عن بعد، فقد دخلت، بالإضافة للمواد المطبوعة، تكنولوجيات الفيديو والتسجيلات الصوتية لتمكن الطلاب من "مشاهدة" المحاضرات والاستماع للأساتذة والتجهيز للامتحانات بشكل أفضل... ثم وصلنا عصر الإنترنت الذي فتح للجميع كل الأبواب... فبدأت جامعات في توفير برامجها الدراسية "أونلاين"؛ ما يمكن الطالب من تنزيل الكتب وتسجيلات الفيديو الخاصة بالمحاضرات، بل والاستعانة كذلك بأدوات الوسائط المتعددة Multimedia للحصول على فهم أوسع وإدراك أشمل للمادة العلمية التي يقوم بدراستها.
لكن المشكلة التي تواجه البعض (بخاصة في الدول النامية والفقيرة) لن تحل بتوفر هذه البرامج الدراسية على شبكة الإنترنت، إذا كانت تكلفتها تفوق استطاعتهم... وهنا جاء دور الخيرين ممن يؤمنون بأن التعليم حق للجميع وأنه من غير المقبول أخلاقياً ما وصلته بعض الجامعات الآن فيما يتعلق بوضع رسوم باهظة جداً تمنع الغالبية العظمى من الراغبين في الدراسة من الالتحاق بها؛ وهو ما خلق المزيد من التفرقة بين الطبقات الاجتماعية بل وعمقها... هؤلاء رأوا أنه من الضروري توفير المعارف البشرية لأي شخص، سواء كان في قرية في بنغلاديش أو في بلدة صغيرة بتنزانيا... هم يدركون كذلك أن الحصول على تعليم بدرجة معينة يعني التخلص من دائرة الفقر والتعصب القومي والديني، ويسمح للمرأة بالخروج من نطاق الاستبداد الذكوري الذي يسيطر على مجتمعاتنا؛ فالعلم يوسع المدارك ويفتح آفاقاً جديدة، وبما أنهم يعرفون مستويات الدخل في عدد كبير من دول العالم، فقد قرروا تقديم خدماتهم التعليمية من دون مقابل مادي... كل ما هو مطلوب من الراغب في الدراسة هو جهاز كمبيوتر واتصال بشبكة الإنترنت.
أول من فتح الباب أمام هذه الإمكانية بشكل واسع كان سلمان خان الذي يقدم عن طريق موقع أكاديميته www.khanacademy.org عدداً كبيراً من الدورات التعليمية المدعمة بتسجيلات الفيديو لمستويات تعليمية مختلفة (ابتداء بالمراحل المدرسية وانتهاء بالجامعية)، وذلك في موضوعات دراسية متنوعة؛ منها الرياضيات والكيمياء والفيزياء والبيولوجيا وعلوم الكمبيوتر وغيرها.. كل ما عليك عمله هو التسجيل واختيار الموضوع الذي ترغب بدراسته والانطلاق على الفور.
موقع آخر يقدم عدداً محدوداً من الدورات الجامعية هو موقع www.udacity.com... الموقع الذي أسسه كل من سباستيان ثران وديفيد ستافنز ومايك سوكولسكي يقدم 15 دورة مختلفة بمستويات ثلاثة: ابتدائية، متوسطة، ومتقدمة... يمكن لأي شخص التسجيل والالتحاق بأي دورة ومتابعة تسجيلات الفيديو الخاصة بها، ثم التقدم للامتحان في أي وقت يريد والحصول على شهادة توثق الجهد الذي بذله في الدراسة وفي اجتياز الامتحان.

الجهد الأكبر جاء من مجموعة أخرى قررت توفير دورات جامعية تتوفر لدى الطلاب الملتحقين بأفضل الجامعات في العالم وفي تخصصات عدة... مؤسسو موقع www.coursera.org تمكنوا من التعاقد مع عدد كبير من الجامعات المرموقة كي توفر موادها التعليمية لأي شخص يرغب في الدراسة... وبخلاف ما هو متبع في أكاديمية خان ويوداسيتي، فللدورات مواعيد يجب احترامها وتواريخ محددة للامتحانات... وبالإضافة إلى كل ذلك فإن الحصول على شهادة تثبت التحاقك بالدورة وتجاوزك امتحانها يتطلب حصولك على معدل لا يقل عن 75% في معظم الحالات... من المعاهد والمؤسسات التعليمية التي تقدم خدماتها والتي يشارك أساتذتها في هذا الجهد الإنساني العظيم نجد من الولايات المتحدة جامعات ديوك وجونز هوبكنز وبرنستون ورايس وستانفورد وكاليفورنيا وواشنطن وفرجينيا وبنسلفانيا وغيرها، ومن اسكتلندا جامعة إدنبرة ومن كندا جامعة تورونتو ومن سويسرا جامعة البوليتكنيك بلوزان ومن الهند المعهد الهندي للتكنولوجيا.
آخر هذه الجهود جاء من مؤسسة قامت بالتنسيق لتقديم برامج تعليمية خاصة بجامعتي هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا للجميع... موقع المؤسسة www.edx.org يقدم في الوقت الحالي سبع دورات تعليمية في الكيمياء وعلوم الكمبيوتر والذكاء الصناعي والإلكترونيات وغيرها... الدراسة هنا، كما في كورسيرا، لها قواعد محددة: مواعيد لإتمام المحاضرات وتأدية الامتحانات... وفي حالة اجتياز أي من الدورات بنجاح وبدرجة لا تقل عن الحد الأدنى المطلوب، يمكن للطالب الحصول على شهادة من الجامعة ذات الصلة.
في النهاية، لم يعد هناك سبب يمنع أي شخص من الدراسة والتعلم وتعميق فهمه للكون وزيادة مهاراته وتطوير قدراته بالاستعانة بعالم من المعارف الذي تقدمه أفضل المؤسسات العلمية والتعليمية في العالم أجمع.

Friday, September 7, 2012

The Case Against Patriotism




THE CASE AGAINST PATRIOTISM

The idea of loving one’s country and doing everything to protect it in any way possible has been around since the beginning of life as we know it, and it is time to try and study it from a wholly new perspective; a skeptic one.
The main objective of writing this article is to explain why the concept of patriotism itself has been twisted and corrupted in order to become the construct that holds under it a set of values and principles which shape what can only be described as a cult… Not only that, but it became normal that the concept itself demands that those who criticize it be punished, either socially or materially. In other words, it has been turned into something very similar to religion in its most extreme forms.

The origins of patriotism
Before being able to go any further, we need to determine the exact meaning of Patriotism. The word itself came from ‘patria’ which is based on the Greek πατρίδα (patrída) meaning fatherland.
According to the Stanford Encyclopedia of Philosophy, patriotism is “love of one's country,” but that is not all, as the same source specifies that it can also signify any or all of the following:
“-Special affection for one's own country;
-A sense of personal identification with the country;
-Special concern for the well-being of the country;
-Willingness to sacrifice to promote the country's good.”

The most important question in this regard should be: “Where did such a special feeling and attachment come from?” Therefore, the real point to look at becomes the source of patriotism within the processes of human evolution, and the main factor which turned it into something beneficial during our species’ development through the generations and the different epochs… Charles Darwin in “The Descent of Man” (1871) states that there “can be no doubt that a tribe including many members who, from possessing in a high degree the spirit of patriotism, fidelity, obedience, courage, and sympathy, were always ready to give aid to each other and to sacrifice themselves for the common good, would be victorious over most other tribes; and this would be natural selection.” In this passage, it is clear that what Darwin was talking about was the help that individuals were offering other members of their group in order to achieve what was beneficial to all; and this included the helpers and the helped.
Arthur Keith, in his book “A new theory of human evolution” (1948) explains that humans, in their beginnings, separated themselves into groups and communities, and as a result of such division and separation a new need appeared; and this was to “safeguard and protect the group which, when danger threatens from without, or from within, muster forces for the defence of the group. This set of mental activities, which automatically arms the members of a group in its defence, is known as patriotism.” Keith does not hide the fact that “Patriotism is an exaggerated and prejudiced form of affection which is manifested by members of a group or tribe.”

But after all that, how did this quality of man mutate into the justified act of killing other men; not only that, but it also became an honor to do so in the name of the love of the motherland or the fatherland or home or country, or whatever name or description given to the geographical location where one was born, or where he/she resides for one reason or another.

In 1767, Adam Ferguson, a Scottish philosopher, wrote an essay dedicated to the history of civil society, and in it we find an illuminating thought: “Mankind not only find in their condition the sources of variance and dissension: they appear to have in their minds the seeds of animosity, and they embrace the occasions of mutual opposition, with alacrity and pleasure”… And thus the concept of ‘The Other’ appeared, and it finally became acceptable to defend your territory and your borders and your property, whether private or public, with whatever means possible… And this transformed itself into a virtue.


The whole idea can be described by saying that when our ancestors lived in caves, they formed groups of not more than 15 people… And within each group, social classes, in their most primitive form, appeared; as there were the Alpha Males, who were those who succeeded in convincing all the others of their claimed superiority, either physical or intellectual, and that gave them a better chance to be leaders and to plan for the clan and put forward the paths for the future… Another social class was the hunter/gatherer, who was endowed with speed of movement and with a higher ability of observation, then there was the thinker or what we, with our present day understanding, can call a philosopher, whose sole role in life was to attempt presenting answers to the deep questions of our existence; why are we here? What is the purpose of life? And how did it all come to being? It is obvious to us that the mentioned classes evolved to become what we still see around us today; as the Alpha Males are the political and economic leaders of the states were we live, and hunters/gatherers are the workers and employees and soldiers of today’s society… While the thinkers/philosophers went on to become one of two: The Scientists, whose sole purpose is to understand how the universe works, or The Religious Leaders whose sole purpose is to pretend to know all the answers and thus demand control over our lives according to the moral system they think is divine and represents the only truth in the world.

A very interesting study about this specific subject (by Sergey Gavrilets of the University of Tennessee in Knoxville) was published in the Proceedings of the National Academy of Sciences (May 25th, 2012)… The study found that the major roles in the mating process were played by weak males who had inferior fighting abilities and females who were faithful to them.


Is Patriotism Right?
All what was mentioned leads us again to the question: How should we judge Patriotism?
The main point in all the story of humanity should never exclude that life is the most precious and valuable truth of all, and that preserving life should be the only purpose of society and of civilization.
The concept of Patriotism was originally invented to encourage the members of a certain community to defend the set of values that is held high by that community… It was the way to protect the way of life of that small society those members were a part of… But with time, different schools of thought (including nationalistic and religious ideas) mixed to form new types of Patriotism, or new ideologies… According to Wikipedia, “In classical 18th century patriotism, loyalty to the State was chiefly considered in contrast to loyalty to the Church, and it was argued that clerics should not be allowed to teach in public schools as their patrie was heaven, so that they could not inspire love of the homeland in their students…” This is a very important factor: How can people be patriotic and be able to sacrifice anything and everything to protect their homeland, if they believe that their final and eternal homeland is beyond this life? And how can people be religious, and work hard to improve their actual and present homeland regardless of what will come after death? This conflict still stands today, as one side struggles to persuade people to fight in the here and now for the here and now, while the other is doing all it can to establish a state of mind which translates this life into nothing more than a passage to another?

What Patriotism represents today is love of one’s country; a country that you found yourself in because of pure luck, and in choosing it you had no say… Is it logical to expect someone to sacrifice his/her own life for those who in our past were the so-called Alpha Males? Because the wars that are being fought in the modern times are not much different from those of the past… The sole purpose of them is to preserve the way of life of the politicians, the bankers, the wealthy businessmen, and the religious leaders… You cannot demand that some people leave the only real and precious thing they own, their lives, so that the top few continue to enjoy theirs.

The only way that a feeling, such as patriotism, can be true, logical, and acceptable is in the case when someone relocates to a country within which he feels truly connected to the values and to the way of life of the people of that country… And not because he/she was born there.

Thursday, August 30, 2012

بدون تجميل

الحديث عن أوضاع مجتمعاتنا العربية الشرق أوسطية حديثٌ لا يمكن تغطية معالمه ومؤثراته في مقالةٍ واحدة؛ ولا في عددٍ من مجلة، وأكاد أقول: ولا تمكن تغطيته في كتبٍ موسوعية؛ فالبحث في هذه الدائرة الجغرافية يتفرع بنا الى العديد من العوامل والظروف والحقائق التي سيحتاج كلٌ منها الى دراسة معمقة.



ما نهدف إليه من هذه الدراسة المختصرة هو إعطاء صورة عامة شاملة لما تعيشه المجتمعات في تلك المنطقة، ما يؤثر في ظروفها وفي تفكير شعوبها وفي نمط حياتهم.


ما يجب علينا جميعاً الإقرار بواقعيته أولاً هو أن ما وصلت إليه مجتمعاتنا من أوضاعٍ متردية (في جميع النواحي) أمر واضح و متفق عليه وآثاره جلية في كل أمر يخص حياة أي فرد من أفراد تلك المجتمعات.

ما يثير الحنق والغضب هو أن الأكثرية في شعوب الشرق الأوسط تعاند وترفض هذه الحقيقة وتصر على أن ما يحدث هو من صنع أيادٍ خارجية تعمل في الخفاء على تدمير منجزات شعوبنا وحضارتنا... فأقول: "وأين هي معالم هذه المنجزات وصورة تلك الحضارة التي يتكلمون عنها ليل نهار؟"

و إذا كانت (ولستُ من المؤمنين بهذه الفكرة على الإطلاق) بالفعل هناك مؤامرة دولية (من الكل على ظهر هذا الكوكب) ضدنا وضد شعوبنا، فالأجدى أن نسأل: "وما الذي فعلناه ونفعله للتصدي لهذه الحملة العالمية؟ وما هي الخطوات التي اتخذناها لحماية أنفسنا وحضارتنا و منجزاتنا (غير المرئية) من تلك الحملة؟"

ما يمكن مشاهدته للأسف هو أن هذه العقلية الإتكالية (حتى في تكوين أسباب وهمية للمشكلات التي تعيشها مجتمعاتنا) يتم توريثها من الآباء للأبناء وكأنها ميراث، وكأنه الـ DNA الذي يجب أن يكون من عناصر الكيان النفسي والأخلاقي والعملي في حياة أفراد مجتمعاتنا.

من العوامل التي يمكننا ذكرها، والتي كانت - ولا تزال - من مسببات هذا الواقع المرير، ما يلي:

- غياب ديموقراطية حقيقية في أي جزء من أجزاء دولنا العربية... و الديموقراطية التي نود إيجادها في منطقتنا ليست تلك الخاصة بالتوجه الى صناديق الاقتراع لاختيار رئيس دولة أو مجلس برلماني؛ لكن الانتخاب هو ما يمكننا تشبيهه بالخطوة الأولى التي يقوم بها الطفل لأول مرة؛ بعدها يجب أن تليها العديد من الخطوات وإلا فإن ذلك الطفل سيستمر في الزحف على أربع الى الأبد... الخطوات التالية هي حرية الرأي والتعبير، حرية الأقليات، حرية المرأة، الحرية الدينية، القضاء المستقل العادل وغيرها الكثير الغائب عن ذهن الكثيرين في المجتمعات موضع البحث.
ولكن سنرى أن العديد من هذه الخطوات محظور للعوامل التي ستلي في بحثنا هذا.

- تدني مستوى التعليم: وهذا أمر أشد أهمية من غياب الديموقراطية؛ فغياب - أو تغييب- المستوى الراقي للتعليم في دولنا هو ما يساهم بشكل كبير في منع أفراد مجتمعاتنا من التقدم والتطور والإبداع.

عند تركيز مناهجنا التعليمية على مقررات بلا نفع على مدى عقودٍ متتالية أو استمرارها في تقديم حقائق علمية (بشكلٍ تلقيني) دون تجديد وتطوير ومتابعة للتطور العلمي المستمر في دول العالم المتقدمة سيكون من المستحيل الوصول الى مستوى علمي ثقافي قادر على إحداث تغييرات حقيقية في المجتمع.

عند الاستمرار في رفض إيراد نظريات علمية أصبحت منذ سنين عديدة تُدرّس في معظم مدارس وجامعات العالم كحقائق مُثبتة فهذا مؤشرٌ على خطورة الوضع.
عند الاستمرار في زيادة و تعظيم المقررات الدينية واللغوية والأدبية العربية على حساب الكتب العلمية والتاريخية والأدبية العالمية فهذا مؤشرٌ آخر على خطورة الموقف.

- تأثير ممثلي الدين: الحديث هنا لا يمت للمعتقدات الدينية (في أي دين) بصلة... ومع إيماني بوجوب حرية المعتقد الديني وأداء شعائر هذا المعتقد... فإنها حقيقة أن مُدعي العلم بالدين كان لهم في الماضي، كما أن لهم الآن، تأثير كبير في حياة شعوبنا... وهذا التأثير - السلبي على الدوام - هو من أكبر المؤثرات التي تمنع مجتمعاتنا من التقدم في المجالات الفكرية والحضارية والعلمية وحتى السياسية.

أصبح مُدعو العلم بالدين مرجعاً لكل شخص (مع استثناء قلة) في كل صغيرة وكبيرة في شؤون حياته؛ وكأنهم بشر على درجةٍ أعلى من بقية البشر، وكأنهم يعلمون من حقائق الكون ما لا يعلمه أكثر علماء الفيزياء والفلك والكيمياء والطب في جامعات العالم أجمع... تجاوزوا الدين ليتحدثوا عن العلم بكافة فروعه (وتصنيف المفيد منه والضار.. والمحلل منه والمحرم) وعن الفكر (ما يجب أن يُنشر وما يجب ألا يقرأه الناس... ومَن من الكُتاب مؤمن ومَن منهم كافر)... و للأسف فإن غياب العملية التعليمية الحقيقية التي توصل الى عقول أولادنا المفيد من العلوم والتي تمكنهم من البحث والدراسة والتحليل باستقلالية هو السبب الرئيسي في هذا السلطان الذي وصله مُدعو العلم بالدين.

- غياب فكر المعرفة: وهو رغبة الفرد في الاستزادة العلمية والفكرية والأدبية والدينية بشكل مستقل؛ أو بكلماتٍ أخرى هو تأصل الرغبة في القراءة في عادات وهوايات أفراد شعوب دول الشرق الأوسط... فباستثناء القراءة في مواضيع مرتبطة بالدين والتاريخ الاسلامي (بأجزاءٍ منه دون أجزاء) فإنني أجزم بأن نسبة القراء في منطقتنا منخفضة للغاية... هناك مفهومٌ غريب محواه أن القراءة في كتب الدين - بفروعه - تكفي... ولا حاجة الى الدراسة والاطلاع والمعرفة والقراءة في المواضيع الأخرى؛ في العلوم الفيزيائية، في الفلسفة، في الأدب (العربي والعالمي)، في العلوم الانسانية وفي غيرها الكثير.

قد يعتقد البعض أن غياب فكر المعرفة مرتبط بالمستوى التعليمي، لكني أعتقد أن هذا العامل مستقل؛ فكم من المبدعين في العالم لم تمكنهم ظروفهم من الحصول على درجات علمية، ومع ذلك فقد ساهموا بشكلٍ كبير في تطور الحضارة الإنسانية.

- فصل مصير الانسان في منطقتنا عن مصير الإنسان بعمومه: هناك ازدياد ملحوظ في هذا الشعور لدى أبناء شعوبنا؛ هناك "نحن والآخرون"... هناك جدار عقلي ونفسي يفصل الإنسان في منطقتنا عن عموم البشر.

"هناك الإنسان العربي المسلم وهناك الآخرون الذين لا يهموننا... مصيرهم ليس مصيرنا" و كأن الانسانية مقسمة؛ فيفرح الكثيرون لرؤية كوارث تصيب شعوباً أخرى دون أدنى شعورٍ إنساني طبيعي بأن كارثة معينة في دولة ما هي كارثة بشرية... فقَدَ الكثيرون هذا الشعور بالانسانية المشتركة بين كل البشر بغض النظر عن أي رابط ديني أو عرقي أو قومي.

- التباطؤ والكسل: مع عدم اعتبار الكثيرين لهذه النقطة، إلا أنني أعتقد أنها من أهم المشكلات لدى شعوبنا... "الزمن ليس له قيمة"... ما لا ننجزه اليوم، سنتممه في الغد.
هذا التباطؤ، بل واعتباره شيئاً طبيعياً في حياتنا، في التأجيل، هو من أخطر ما علينا مواجهته.
ونجد هذا العامل في العديد من المقولات الشعبية التي عفى عليها الزمن والتي، للأسف، يعمل بها معظم أفراد مجتمعاتنا، مثل "ينتهي العمر ولا ينتهي العمل"، هذه المقولات وما شابهها هي من أكثر العوامل الهدامة في حياة شعوبنا.


في الختام، فقد قمت بعرض أهم النقاط التي (حسبما أعتقد) في معالجتها يكمن الحل؛ وفي تغييرها وإعادة تشكيلها يمكن لشعوبنا أن تتحرر من تبعات السنوات والعقود بل والقرون الماضية... للانطلاق نحو المستقبل.

Sunday, August 26, 2012

?What does Neil Armstrong represent

It is difficult to even start to explain what a man like Armstrong symbolized for all of us, for the human race as a whole.
He was the center of an idea, a thought, and a principle, which embodied one of the greatest dreams in the history of mankind... The dream of achieving the impossible.
There are no superheroes, at least we do not know of any as described in comic books. But we know that Armstrong was a superhero of the real world. One of the few who could accomplish anything by using whatever tools and instruments they possessed and by implementing what we came to comprehend of the physical world.
When we talk about the far reaches of the universe, we cannot help it, we will always see his face.
Rest in peace, Neil.

معضلة الزمن.. التكنولوجيا كمعيار لمرور السنين في أعمارنا

إنه بالفعل أمر مثير للدهشة وفي الوقت ذاته مربك إلى حد كبير؛ أن ندرك أن بعض الناس الذين نعرفهم ونتعامل معهم اليوم ليست لديهم أي معرفة بالمعال...