Thursday, May 29, 2014

حرية الرأي والتعبير

من الغريب حقاً أن تجد أشخاصاً يمكنك الحديث معهم والنقاش والتفكير بشكل جماعي فيما يتعلق بأي موضوع؛ سياسي، اجتماعي، اقتصادي، ثقافي، أو حتى لغوي، من دون أي حساسية أو تردد، ومن دون توقع أي رد فعل سلبي أو عدائي أو حتى هجومي.. إذ إن هؤلاء الأشخاص سيردون على حجتك بحججهم وعلى أفكارك وآرائك بأفكارهم وآرائهم.. وهم سيحاولون إقناعك بوجهة نظرهم، وقد يقتنعون هم برأيك.. الأمر الذي يجعل أي حوار من هذا النوع مثمراً، عبر تبادل المعلومات وتوضيح الفكر وطرح الآراء بين الجانبين.

لكن إن بدأت حديثاً يرتبط بالتاريخ العربي الإسلامي أو بالدين الإسلامي نفسه، تجد أن المنطق والاعتدال والرغبة في الحوار والإقناع تختفي تماماً، لتحل محلها حدة ونبرة صوت مرتفعة وعدائية، تنقلب مع الدقائق الأولى من الحوار إلى هجوم على شخصك وعلى خلفيتك الثقافية والوطنية (أو القومية)، ليلي ذلك رفض قاطع لإتمام الحديث إن لم يكن هناك احترام أو حصانة تحمي معتقداتهم وموروثاتهم الدينية من أي انتقاد أو بحث أو دراسة.

الفكرة الرئيسية التي يجب على الجميع فهمها هي ألا شيء فوق مستوى البحث والدراسة والرأي والرأي الآخر.. من الممكن القول إن ما تؤمن به لا يخضع للمنطق الذي يطرحه شخص آخر لم يولد في عائلة دينها أو معتقداتها مماثلة لدينك ومعتقداتك، لكن ما الغريب في أن يكون منطقه مخالفاً تماماً لمنطقك وأسلوب تفكيرك والمصادر التي تعتمد عليها في بناء آرائك؟ أليس هذا هو الأمر الطبيعي؟ لماذا يطالب البعض بضرورة احترام الآخرين لمعتقداتهم وأسس دينهم وتفكيرهم، إن كان الآخرون لا يؤمنون بتلك المعتقدات؟ كيف يمكن لك أن تحترم أفكاراً أنت تؤمن بلا أدنى شك أنها خاطئة ولا تمثل الواقع ولا تستحق الاحترام؟ الأساس في الفكر الديني أنه اعتقاد خاص بكل فرد بناءً على أسس جاءته من الماضي وحملها والده وجده وأسلافه قبل وصولها إليه.. وهذا هو أصل كل الأديان.

والمسألة تتجاوز الاختلاف بينك وبين شخص لم يولد لعائلة تدين بدينك وتؤمن بمعتقداتك؛ إذ إن الاختلاف قد يقع بينك وبين شخص تؤمن عائلته تماماً بما تؤمن به أنت وتثق بصحته عائلتك، لكن هو قرر التفكير بشكل مستقل ووصل إلى نتائج تخالف المعتقدات التي تؤمن أنت وعائلتك وأفراد أسرته بها.. هل يعني ذلك أن هذا الشخص محروم من حق التفكير والبحث والدراسة، وبالتالي لا يحق له الاختلاف مع من حوله عبر بناء هيكلية فكرية مستقلة وبعيدة كل البعد عن معتقدات والديه ومعتقداتك أنت أيضاً؟


حرية الرأي والتعبير التي تكفلها كل الديمقراطيات في العالم تؤكد أن من حقك أن تؤمن بما تشاء، لكن من حق الآخرين أيضاً رفض ما تؤمن به والتعبير عن ذلك عبر توضيح أسباب رفضهم لمعتقداتك.