Saturday, July 18, 2020

أبناء الأمس.. وأبناء اليوم



لو أن شخصاً وُلد في عام 1900، فإنه سيكون قد شهد بداية الحرب العالمية الأولى عندما كان عمره 14 عاماً فقط، وسيكون قد تجاوز سن البلوغ مع نهايتها، ليكون عمره 19 عاماً عندما وضعت أوزارها، بعد مقتل 22 مليون إنسان.. ومع بلوغه سن 20، سيكون قد عاصر أيضاً جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي أسفرت عن مصرع أكثر من 50 مليون شخص حول العالم.. وبالتزامن مع عيد ميلاده الثاني والعشرين، كان ليشهد انهيار الدولة العثمانية، وتقسيم الدول العربية.. وفيما جاءت مناسبة احتفاله بعيد ميلاده الثالث والثلاثين، كان ليسمع عن حزب يسمى حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني (الذي عرف فيما بعد باسم الحزب النازي)، ليضطر بعدها إلى المعاناة مع ظروف الحرب العالمية الثانية، التي اندلعت حين كان عمره 39 عاماً، واستمرت 6 سنوات، وحصدت حياة قرابة 80 مليون شخص، فضلاً عن حياة ملايين آخرين (يهود وغيرهم من الأقليات المكروهة من قبل النازيين) التي دُمرت في مخيمات الاعتقال.. ببلوغ بطل حكايتنا سن 48، يكون قد شهد الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل، مع ما صاحب ذلك من قتل وتشريد لملايين الفلسطينيين، وحروب تتالت من أعوام 1948 إلى 1956، ومن 1967 إلى 1973.. وخلال تلك الفترة، سيكون قد شهد أيضاً الحرب الكورية، عندما كان عمره 52، وحرب فيتنام عندما كان يحتفل بعيد ميلاده الرابع والستين، والتي لم تنتهِ حتى بلوغه 75 عاماً.
خلال حياته، سيكون قد شهد انهيار دول وثورات، بعضها دموي، أزالت أسراً ملكية من دول مثل العراق ومصر، وتغيير خرائط وظهور دول أخرى وانقسام شعوب فيما بينها لتجزئة دولها.
أما أبناء اليوم، الذين وُلدوا بعد ثمانينيات القرن الماضي، والذين يعتقدون أنهم يواجهون "مشكلات حياتيه حقيقية"، وأن آباءهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم، لا يفهمون مستوى التعقيد الذي يعصف بحياتهم، فهم بالفعل جهلة، لا يدركون قيمة ما بين أيديهم وما لديهم، من سهولة حركة وثورة اتصالات وأجهزة تمكنهم من فعل أي شيء، ومن الوصول إلى أي معلومة، ومن الحديث مع من يريدون من غرف نومهم.. هم لا يفهمون أن ما لديهم جاء نتيجة لعمل وجهد وآلام وتضحيات قدمها من سبقهم لكي تصل إليهم سهلة وسريعة وبسيطة، كما هي الآن.
أولئك "الأطفال"، حتى وإن بلغوا الثلاثينات من أعمارهم، يظنون أنهم يمرون بمرحلة صعبة من حياتهم مع "الإغلاق"، المصاحب لتفشي فيروس كوفيد-19، مع أنهم يتمتعون بوفرة الطعام وبكل خدمات الكهرباء والماء والإنترنت والواي فاي.. يعتقدون أنهم يتألمون بسبب "إجبارهم" على البقاء في بيوتهم، لكنهم لا يعرفون معنى كلمة الألم والتضحية.
عليهم أن يكونوا ممتنين للأجيال الماضية، وعليهم شكر السماء لأنهم يعيشون في هذه الفترة من حياة البشرية، التي يمكنهم فيها البقاء في بيوتهم، والحصول على الغذاء والماء والمعلومات وأدوات الاتصال، في الوقت نفسه.