Saturday, December 26, 2020

الخير والشر.. من زاوية أخرى

لطالما كان الصراع بين الخير والشر أساساً أو محوراً رئيسياً للعديد من الأساطير والقصص وأعمال الأدب والفن، بكل أشكاله، وفي الأحداث التاريخية وتلك المرتبطة بالفكر الديني.. لا بد من وجود النور لكي يقضي على الظلام، لا بد من وجود الجمال لكي نميزه ونفضله على الدَّمامَة، لا بد من وجود السلام لكي يحل محل الحرب.

في الأساطير النوردية، كبير الآلهة أودين يقتل على يد الذئب فنرير ابن الإله لوكي، في الميثولوجيا الإغريقية، إيريس إلهة الخلاف والنزاع، غضبت لعدم دعوتها لحضور حفل زفاف بليوس وثتيس فتسببت في نهاية المطاف باندلاع حرب طروادة، في الروايات السومرية، كانت إنانا إلهة بلاد الرافدين، حاكمة العالم والأحياء، والتي ارتبط وجودها بالحب والجمال والجنس، فيما كانت ارشكيجال إلهة العالم السفلي أو عالم الأموات، وفي الأساطير المصرية، هناك ست، إله الظلام والفوضى، الذي قتل وشوه اخاه أوزوريس، وهناك تحوت إله الحكمة والمعرفة.

في القصص الدينية، هناك الشيطان، أو إبليس، وهو الشر الخالص، بطل الظلام والكراهية وكل الأوصاف السلبية بلا منازع.. في تلك الروايات، كانت الأفعى أساس قصة طرد آدم وحواء من الجنة، وكان وجود الفرعون نقطة مركزية في قصة النبي موسى، وكان رئيس كهنة اليهود قيافا أو بيلاطس البنطي أو يهوذا الشرير عنصراً مهماً في قصة المسيح، وكان أبو جهل ملكاً للظلام والظلم في قصة النبي محمد.

في الأحداث التاريخية، ربما يكون هتلر هو النموذج الأوضح للشخصية الشريرة القاتمة عديمة الرحمة في الحروب التي شهدتها البشرية، هناك أيضاً موسوليني وهولاكو وفلاد الثالث المخوزق وبول بوت وإيفان الرهيب.

في الأفلام، وفي قصص الأطفال، هناك دائماً الشرير في مواجهة الخيّر، قاتل الأبرياء في مواجهة من يوفر لهم الحماية، الوحش المفترس في مواجهة البطل الذي يتصدى له، الغازي القادم من الفضاء في مواجهة الأبطال البشر المدافعين عن الأرض.

لكن عند التفكير في الحقيقة، علينا الإقرار بأن الأمر ليس بهذه البساطة، لا يمكن وصف شخص بأنه الشرير المطلق في أي قصة، هناك دائماً الزاوية الأخرى ووجهة النظر من الجانب الآخر؛ هناك القصة التي يرويها الأشخاص من الجهة المقابلة، والتي عادة لا تصل إلى أحد، فالتاريخ يروي قصص المنتصرين فقط.

عند الحديث عن القصص الدينية، ألم يكن أولئك "الأشرار" يدافعون عن معتقداتهم ومعتقدات آبائهم وأجدادهم؟ ألم يكن دور الأفعى هو فعلاً العمل على غواية حواء لمعصية الرب؟ ألم يكن رئيس كهنة اليهود قيافا ينتصر لدينه في مواجهة شخص يدعو الناس إلى دين جديد؟

إذا استثنينا من الأمر المختلين نفسياً (Psychopaths)، مثل هتلر، ألا نرى أنفسنا في مواجهة الواقع ذاته؟ ألم يكن هولاكو حاكماً يعمل على خدمة مصالح شعبه عبر توسعة الإمبراطورية المغولية؟ ألم يخض إيفان الرابع حروباً دموية أسفرت عن اتساع أراضي روسيا ليجعلها إمبراطورية ضخمة مترامية الأطراف؟

من غير الممكن أن نقسم العالم إلى قسمين، أبيض وأسود، نور وظلام، عدل وظلم؛ إذ إن لكل قصة جانبين، لا يوجد من يقم بالتفاخر بأنه الشرير إلا في قصص عالم "دي سي" (DC Universe)، حيث توجد شخصيات هدفها قتل الأبرياء ونشر الدمار والخوف والفوضى، من دون أي تفسيرات إضافية أو معانٍ خفية، فيما يأتي سوبرمان أو الرجل الوطواط للتصدي لهؤلاء وإنقاذ البشرية.. أما في الحياة، فهناك زوايا عديدة ووجهات نظر مختلفة وآراء، تخلق للواقع ألواناً كثيرة، ولكل لون ظلال عديدة ودرجات متفاوتة.

Friday, October 2, 2020

ليس مثل كل يوم - 3


يصل سامي إلى الجانب الآخر من الشارع، ويقف أمام مبنى كبير مدخله وراء سلالم رخامية.. ينظر إلى المدخل، ويفكر بصوت عال: "لم لا؟ لا يوجد ما يمنعني من الدخول.. سأحل مشكلاتي.. لم لا استغل هذا الوضع! لن يتضرر أحد، لا يوجد أحد ليتضرر مما سأفعل.. أنا الوحيد هنا".

يدخل إلى مبنى المصرف الأكبر في مدينته، يتحرك بخطى بطيئة في قاعته، ينظر في كل زاوية من زوايا المكان.. يتوجه نحو غرفة الخزنة، حيث المبالغ النقدية.. الباب مشرع، والخزنة مفتوحة والأموال أمامه كثيرة، بعملات مختلفة.. يبتسم، ويبدأ في البحث عن كيس أو حقيبة لكي يعبأها بالنقود، يجد حقيبة مشابهة لتلك التي فقدها في الشقة قبل قليل.. يأخذها ويبدأ في وضع الأموال فيها، ثم يضع بعضاً في جيوبه، يأخذ الكيس المستخدم لسلة القمامة ويقوم بملئه أيضاً.. ثم يغادر.

الفكرة الوحيدة التي تدور في ذهنه الآن هي ضرورة الوصول إلى زوجته، ليبلغها بالخبر السار، الآن لديهما ما يحل كل المشكلات، ويجلب السعادة مجدداً إلى حياتهما، لا خوف من الغد، ولا قلق من تلقي مكالمة هاتفية من الدائنين، ولا تعليقات سخيفة أخرى من عائلة منى.. بهذه الأموال، سيتحررا من كل قيد، وسيتمكنان من العيش براحة واطمئنان.. لكن هل ستكون منى في البيت بانتظاره؟ لماذا لا تكون قد اختفت، كما حصل مع كل الآخرين؟ ماذا لو لم يجدها أو يجد ابنه وابنته؟ ما فائدة هذه الأموال إذن؟

يسارع إلى الخروج، يجب أن يصل إلى بيته.. بأي ثمن.. يحاول فتح إحدى السيارات على جانب الطريق، واحدة تلو أخرى، حتى يجد باب إحداها مفتوحاً، يركب ويبحث عن المفتاح، يجده في قفل السيارة، وكأن شخصاً كان يهم بالتحرك، قبل وقوع ما حدث.. يشغل السيارة، ويقودها باتجاه البيت.. تتسارع دقات قلبه، فبوصوله إلى المنزل، هو على ثقة من أن كل شيء سينتهي ويعود إلى طبيعته..

أخيراً، وصل.. يخرج من السيارة حاملاً ما جلبه من البنك، وينطلق نحو شقته.. يصل، ويفتح الباب.. ويدخل.. ينظر حوله، ويدور في أرجاء المكان.. "هذا ليس بيتي، هذا بيت آخر.. لا، إنه ليس منزلاً، إنه شيء آخر.. يبدو كعيادة أو.. مستشفى".. يتوجه نحو باب بعيد في آخر القاعة، يبدو وراءه نور متوهج.. يفتح الباب ببطء؛ يشعر بخوف شديد، فهو لا يعرف ما يوجد وراء ذلك الباب.. وكلما فتحه أكثر كلما اشتد توهج النور، حتى بات غير قادر على الرؤية أو حتى فتح عينيه.. يشعر بحرارة شديدة تغمره من كل جانب.

يحاول فتح عينيه مجدداً، بالكاد يرى وجوهاً تنظر إليه عن قرب.. "من أنتم؟" يسأل بصوت خافت، حتى تبدأ الصورة في الظهور أمامه؛ هو ممدد على سرير في مستشفى، وزوجته وطفلاه أمامه، ينظرون إليه والدموع في عيونهم.. تقبله زوجته، وتقول له: "أخيراً، عدت إلينا."

-"عدت من أين؟"

-"لقد تعرضت لحادث سير قبل شهر، وكنت في غيبوبة منذ ذلك الوقت".

-"حادث سير؟"

-"نعم، لكن الحمد لله، أنت الآن بخير، عدت لكي تبقى معنا إلى الأبد".

يفكر سامي فيما حدث، وفي المدينة التي تجول في شوارعها، وفي الشقة التي زارها، هو يتذكر كل شيء بدقائقه وأصغر تفاصيله.. الشعور بالوحدة والخوف، كان حقيقياً.. "لا، كانت مجرد هلوسات خلال وجودي في الغيبوبة" يقول لنفسه.. الآن، عاد إلى أسرته.. وإلى واقعه.

بعد أيام قليلة، يغادر المستشفى مع زوجته.. ويصل إلى بيته، يحتضن ابنه وابنته، ويتوجه إلى غرفة نومه.. يتوجه بسؤال إلى منى: "ماذا حل بحقيبتي؟" تتوجه إلى جانب السرير، وتجلبها إليه.. "ها هي".. تقول له، "لكن، لم أفهم حتى الآن، من أين جاءت كل هذه النقود، التي كانت بداخلها؟"

ينظر إليها وعلامات التعجب والدهشة بادية عليه.. "نقود؟ أي نقود؟"

 

انتهى

Saturday, September 12, 2020

ليس مثل كل يوم - 2

 


أثناء سيره في طريق العودة، تتوارد الأفكار على ذهن سامي، تتدفق كفيضان عارم، "أين الجميع؟" ينظر في كل الاتجاهات، لا يرى أحداَ، يتوجه إلى مقهى مفتوح تفوح منه رائحة القهوة، يدخل، يدور بين الطاولات الصغيرة، هناك فنجان قهوة ساخنة على المنضدة، يقترب منه، يتناوله ويتذوق القهوة.. يعيد الفنجان إلى مكانه، ويغادر، عاجزاً عن الفهم أو حتى محاولة تفسير ما يراه، أو بالأحرى، ما لا يراه في هذا المشهد الغريب الماثل أمام عينيه.


يعود إلى مسيره، وفي كل دقيقة، يخرج هاتفه من جيبه، ويحاول الاتصال بزوجته؛ ثم يعيده.. لا فائدة.

وخلال تحركه، يبدو أن الطريق تتحرك تحت قدميه ببطء شديد، بطء يجعله يحاول الهرولة تارة والجري تارة أخرى، يشعر بالإرهاق بسرعة وكأنه قطع مسافات شاسعة، رغم أنه لم يتحرك إلا بضعة أمتار.. يتوقف إلى جانب الشارع، ينظر إلى نوافذ المنازل المحيطة، إلى السيارات المتوقفة على جانبيه، يجلس على الرصيف، يغلق عينيه، أملاً في أن يتغير كل شيء عندما يفتحهما مجدداً، لكن الوضع باق على حاله.


ينهض ويعود إلى المشي، يخلع سترته، فالحر شديد، والسماء صافية لا سحب فيها على الإطلاق، وحدها حرارة نور الشمس الساطع، توجه ضرباتها إلى رأس سامي، يتعرق ويشعر بدوار شديد، يبحث عن مكان يستظل به، يدخل في إحدى البنايات، ويجلس على درجات السلم، يصرخ: "مااااا هذاااااا؟ ما الذي يحدث اليوم؟" في تلك اللحظة، يسمع صوت حركة في الشقة على يمينه، يقف ويتوجه إلى بابها، يقرع الجرس، يدق الباب، يكرر المحاولة، لا يجيبه أحد، ولا يفتح له الباب أحد.. لكنه يشعر بوجود شخص ما، أو شيء ما في الشقة.. يحاول اقتحام المنزل بفتح الباب عنوة، وبكل قوته، ينجح في دخول الشقة.. يبدأ في البحث في أرجائها، يدخل إلى غرفة النوم، يجد رجلاً جالساً على طرف السرير، وقد بدت عليه علامات الخوف، والدهشة، لرؤية صديقنا، الذي يتوجه إليه ويسأله: "من أنت؟ أين الباقون؟ لماذا باتت المدينة مدينة أشباح؟" تأتيه الإجابة من شخص يرتجف جسده رعباً: "لا أعرف، أفقت من نومي هذا الصباح لأجد نفسي وحيداً، زوجتي وأولادي وكل شخص أعرفه، كلهم اختفوا.. من أنت؟ من أين أتيت؟"، يتحدث ورعشة صوته تشي بذعر عميق يشعر به.. يجيبه: "أنا؟ اسمي سامي، خرجت من بيتي هذا الصباح.. خرجت، كما في كل صباح، إلى عملي.. لكن، ليس هناك من بشر.. بحثت في كل مكان.. أين ذهبوا؟" يخيم الصمت.. والرجلان ينظران إلى بعضهما بتوجس، لا يثق أي منهما بالآخر، مع أنهما يعيشان في نفس الواقع الغريب، الذي يصعب تفسيره أو حتى وصفه.
يسأل سامي: "هل يمكنني شرب بعض الماء من مطبخك؟"

يومئ الرجل برأسه إيجاباً.. يتوجها معا إلى المطبخ، يخرج زجاجة من الثلاجة ويقدمها إلى سامي، يشرب منها ويعيدها إلى الثلاجة.. 
-"
هل نخرج معاً؟ قد يكون هناك آخرون".. يقول سامي؛
-"
لا، أنا باق هنا.. ماذا لو عادوا؟ يجب أن أكون في انتظارهم."
-"
كما تريد.. أنا سأواصل المسير.. يجب أن أعود إلى بيتي.. منى في انتظاري، بالتأكيد هي خائفة الآن".
يتوجه إلى الباب، ينظر خلفه.. "آسف على اقتحام منزلك".. ويغادر.. يصل إلى الشارع مجدداً، ثم يتذكر، لقد ترك حقيبته في الشقة، يعود مسرعاً.. ليجد الباب الذي كسر قفله قبل قليل، موصداً، وكأن شيئاً لم يكن.. يحاول مجدداً فتح الباب، يقرر اقتحامه، ويتمكن مجدداً من الدخول.. لكن في هذه المرة، الشقة فارغة تماماً.. أما حقيبته، فلا وجود لها.. يتوجه إلى الثلاجة، ليعثر فيها على الزجاجة مغلقة لم تُفتح.. يهز رأسه، يلقي نظرة على المكان، ثم يغادر.


يجلس عند مدخل المبنى.. يستعيد ذكريات الأسبوع الماضي.. حديث تحول إلى نقاش محتدم مع زوجته، عن وضعهما المالي.. ديون كثيرة، بعضها للبنوك، والبعض الآخر لوالديها.. وتكاليف المعيشة وأقساط المنزل ورسوم المدرسة الأجنبية لابنيهما.. تقول له إن عمله لا آفاق تطور له في المستقبل، وتطلب منه البحث عن وظيفة جديدة، يجيبها بحدة، أنه حاول ويحاول، لكنه لم يتمكن حتى الآن من العثور على أي فرصة أفضل، تقول له إنه لا يبحث بجدية.. وإن الأمر سينتهي إلى كارثة، إن لم يفعل شيئاً وبسرعة.


يعود سامي إلى يومه الغريب.. وينظر إلى الجانب المقابل من الشارع.. يبتسم.. ثم ينهض، ويبدأ في التوجه إلى الجانب الآخر.

يتبع...

Friday, August 28, 2020

ليس مثل كل يوم



يخرج من بيته كما في كل صباح، وعندما ينزل من البناية، ينظر إلى الأعلى ليراها تودعه من النافذة، لكنها اليوم لم تكن هناك، وبالرغم من أن الأمر لم يكن معتادا بالنسبة إليه، فقد مر الحدث من دون تساؤلات كثيرة، إذ لربما تأخرت عن موعد خروجه اليوم، أو رن هاتف البيت، فذهبت للرد عليه، أو أي شيء آخر، لم يعر اهتماماً للأمر، وانطلق في سيارته باتجاه عمله.
لم يكن المشهد في طريقه كما عهده كل يوم؛ الازدحام غاب عن الطرقات، الأرصفة خالية من المشاة، المحال التجارية، بالرغم من أن أبوابها مفتوحة، لا يوجد بها زبائن، وحتى أصحابها ليسوا بداخلها.. وفجأة، بدأ يدرك الأمر؛ "أنا الوحيد هنا"، إشارات المرور كلها خضراء، ولا سيارات في الشارع إلا سيارته.
"هل هو يوم عطلة وطنية؟" يوقف سيارته إلى جانب الطريق، ويخرج هاتفه المحمول من جيبه ويبحث فيه؛ "لا، اليوم الإثنين" ولا يصادف تاريخه أي مناسبة دينية أو وطنية أو قومية.. يجرب الاتصال بزوجته، أراد أن يسألها، ربما فاته شيء، ربما.. يتصل بها، لكنها لا تجيب، يفكر في العودة إلى بيته، لكنه بات ِأقرب إلى الشركة التي يعمل بها، فيقرر مواصلة طريقه، على أن يتصل بزوجته حال وصوله. وإن كان باليوم عطلة ما، فبالتأكيد، سيجد أبواب الشركة مقفلة.. لكنه يصل، ويجد الباب مفتوحاً، يدخل وحيداً، لا يقابل أيا من زملائه في طريقه إلى مكتبه، حتى موظفو الأمن غائبون.. يصل إلى مكتبه، يضع حقيبة يده، ويذهب لتفقد بقية المكاتب في الأقسام المختلفة؛ الأنوار مضاءة، أجهزة الكمبيوتر وشاشاتها كلها تعمل... لكن لا أحد. يتوجه إلى النوافذ، ينظر إلى الشارع، كل شيء يبدو طبيعيا، بالنسبة إلى يوم مشمس، التفاصيل هي ذاتها، لكن من دون أي إنسان... أو حيوان.. أين الطيور؟ أين القطط؟

يعود إلى مكتبه وفي رأسه ألف سؤال، أين الجميع؟ ما الذي حدث؟ ولماذا أنا وحدي، من دون كل البشر، موجود هنا، أو في الشارع أو في المدينة كلها؟ يخرج هاتفه مجددًا، يحاول الاتصال، لكن ما من مجيب.. يحاول الاتصال بأخيه، بوالدته، بأصدقائه، لكن من دون جدوى.
يحاول الاتصال عبر الإنترنت بأي شخص، يحاول بكل الطرق وباستخدام كل التطبيقات، لكنه بدا وحيداً يصرخ في صحراء مقفرة، لا يجيبه فيها أحد، ولا يسمع صوته فيها بشر.. يحمل الحقيبة مجدداً، ويقرر المغادرة والعودة سريعاً إلى بيته، يتوجه إلى المكان الذي ركن فيه سيارته، يجد المكان، لكن سيارته اختفت، يبدأ في البحث في كل مكان حوله، ربما يكون قد تركها في موقع آخر، هل يكون، وبسبب الحالة النفسية التي كان فيها، قام بركنها في موقف غير موقفه المعروف؟ لكن كل المواقف خالية، لا توجد سيارات على الإطلاق، لا سيارته ولا سيارات غيرها.. "ما الذي يحدث اليوم؟" يفكر بصوت عال: "كيف أعود إلى بيتي؟ لا أرى سيارات أجرة، ولا أرى حافلات نقل".. يخرج هاتفه مجدداً، ويفتح تطبيق سيارات الأجرة، "نعم، إنه يعمل", يطلب سيارة، أي تكسي، كل ما يريده هو العودة إلى بيته وزوجته وأبنائه.. تطبيق المحمول يؤكد أن السيارة ستصل خلال ثلاث دقائق.. ينتظر وينتظر.. لكن الدقائق الثلاث لا تنقضي.. "ما العمل؟" يعاود محاولة حجز التاكسي؛ هذه المرة، عليه الانتظار خمس دقائق.. ومجدداً، يبقى عداد الوقت في التطبيق كما هو، لا يتغير... خمس دقائق.. يقرر العودة مشياً على الأقدام.. قد يستغرقه الأمر ثلاث ساعات أو أكثر، لكن ما من خيار آخر.
يبدأ مشوار العودة، خطوات متسارعة.. الحر شديد، الشمس حارقة، يفكر خلال تحركه، "لم تكن الحرارة مرتفعة هكذا قبل قليل، كل شيء غريب اليوم".. لكنه يواصل المشي.

 

يتبع...

Saturday, July 18, 2020

أبناء الأمس.. وأبناء اليوم



لو أن شخصاً وُلد في عام 1900، فإنه سيكون قد شهد بداية الحرب العالمية الأولى عندما كان عمره 14 عاماً فقط، وسيكون قد تجاوز سن البلوغ مع نهايتها، ليكون عمره 19 عاماً عندما وضعت أوزارها، بعد مقتل 22 مليون إنسان.. ومع بلوغه سن 20، سيكون قد عاصر أيضاً جائحة الإنفلونزا الإسبانية، التي أسفرت عن مصرع أكثر من 50 مليون شخص حول العالم.. وبالتزامن مع عيد ميلاده الثاني والعشرين، كان ليشهد انهيار الدولة العثمانية، وتقسيم الدول العربية.. وفيما جاءت مناسبة احتفاله بعيد ميلاده الثالث والثلاثين، كان ليسمع عن حزب يسمى حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني (الذي عرف فيما بعد باسم الحزب النازي)، ليضطر بعدها إلى المعاناة مع ظروف الحرب العالمية الثانية، التي اندلعت حين كان عمره 39 عاماً، واستمرت 6 سنوات، وحصدت حياة قرابة 80 مليون شخص، فضلاً عن حياة ملايين آخرين (يهود وغيرهم من الأقليات المكروهة من قبل النازيين) التي دُمرت في مخيمات الاعتقال.. ببلوغ بطل حكايتنا سن 48، يكون قد شهد الإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل، مع ما صاحب ذلك من قتل وتشريد لملايين الفلسطينيين، وحروب تتالت من أعوام 1948 إلى 1956، ومن 1967 إلى 1973.. وخلال تلك الفترة، سيكون قد شهد أيضاً الحرب الكورية، عندما كان عمره 52، وحرب فيتنام عندما كان يحتفل بعيد ميلاده الرابع والستين، والتي لم تنتهِ حتى بلوغه 75 عاماً.
خلال حياته، سيكون قد شهد انهيار دول وثورات، بعضها دموي، أزالت أسراً ملكية من دول مثل العراق ومصر، وتغيير خرائط وظهور دول أخرى وانقسام شعوب فيما بينها لتجزئة دولها.
أما أبناء اليوم، الذين وُلدوا بعد ثمانينيات القرن الماضي، والذين يعتقدون أنهم يواجهون "مشكلات حياتيه حقيقية"، وأن آباءهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم، لا يفهمون مستوى التعقيد الذي يعصف بحياتهم، فهم بالفعل جهلة، لا يدركون قيمة ما بين أيديهم وما لديهم، من سهولة حركة وثورة اتصالات وأجهزة تمكنهم من فعل أي شيء، ومن الوصول إلى أي معلومة، ومن الحديث مع من يريدون من غرف نومهم.. هم لا يفهمون أن ما لديهم جاء نتيجة لعمل وجهد وآلام وتضحيات قدمها من سبقهم لكي تصل إليهم سهلة وسريعة وبسيطة، كما هي الآن.
أولئك "الأطفال"، حتى وإن بلغوا الثلاثينات من أعمارهم، يظنون أنهم يمرون بمرحلة صعبة من حياتهم مع "الإغلاق"، المصاحب لتفشي فيروس كوفيد-19، مع أنهم يتمتعون بوفرة الطعام وبكل خدمات الكهرباء والماء والإنترنت والواي فاي.. يعتقدون أنهم يتألمون بسبب "إجبارهم" على البقاء في بيوتهم، لكنهم لا يعرفون معنى كلمة الألم والتضحية.
عليهم أن يكونوا ممتنين للأجيال الماضية، وعليهم شكر السماء لأنهم يعيشون في هذه الفترة من حياة البشرية، التي يمكنهم فيها البقاء في بيوتهم، والحصول على الغذاء والماء والمعلومات وأدوات الاتصال، في الوقت نفسه.

Sunday, June 28, 2020

في انتظار رسالتها


قبل شبكة الإنترنت وأساليب التواصل عبر الأجهزة المحمولة، قبل وتساب وسكايب وفيسبوك وإنستغرام، قبل عالم الصور، الذي تحول إلى شأن لا قيمة له، عاطفية كانت أو حتى تقنية، قبل كل ذلك، كانت الأحاديث عن بعد، سواءً تلك الخاصة بالأعمال أو بالأمور الشخصية، أو حتى التي تتعلق بخطابات العشاق والمحبين، تتم عبر الرسائل المكتوبة بخط اليد.. نعم، البريد كان كل شيء، كان ملك العالم وسيد الجميع.
بطل حكايتنا كان شاباً في مقتبل العمر يعيش في بلدة هادئة بعيدة عن ضجيج المدن وصخب الحياة.. يذهب كل يوم إلى مكتب البريد، حيث صندوق عائلته، ليفتحه وينظر بداخله، آملاً في العثور على رسالة تحمل آخر أخبار حبيبته، وربما يحتوي مغلفها أيضاً على صور لها، أو بطاقة بريدية لمدينتها البعيدة.. رحلة بدأت أسبوعية، ثم تحولت إلى ضرورة كل يومين وربما كل يوم، فالتوق إلى قراءة صفحة أرسلتها بات الهدف الذي يفتح معه عينيه كل صباح، بات السبب كل ليلة في انتظار اليوم التالي.
في كل مرةٍ كان يفتح صندوقه البريدي ليجد شيئاً ما فيه، كانت عيناه تتوسعان فرحةً ﻭﺩﻗﺎﺕ ﻗﻠﺒﻪ ﺗﺘﺴﺎﺭﻉ، فهو يرى ضوءاً ينير الصندوق كله، بل جميع الصناديق، وحتى مكتب البريد بكل من فيه، هو وحده كان يرى ذلك النور، هو وحده كانت تغمره سعادة لا توصف، فيغلق الصندوق ويغادر على عجل نحو بيته وغرفته، يغلق الباب ويبدأ في قراءة الرسالة، التي كتبتها بيدها.. يعيد قراءة كل جملة، مراتٍ ومرات.. يتفحص خطها في كل كلمة، يقرأ ما كتبته وكأنه يتعبد في محرابه الديني الخاص.. أثناء القراءة، يبدو وكأنه في جلسة تأمل عميقة، لا يشعر بشيء خارج حدود غرفته.. لا يسمع، ولا يرى.. فهو يتحدث إليها، يسألها فتجيبه، يخاطبها فترد عليه، يلمس يدها ويستمع إلى صوتها.. يواصل القراءة بابتسامة دائمة.. ويعيد التجربة مئات المرات، قبل أن تصل اللحظة، التي يقرر معها البدء في كتابة رسالته إليها.. ويبدأ مشوار التفكير لاختيار صورة جديدة يضمها إلى الرسالة.
لكن المشهد لم يكن وردياً دائماً.. ففي مرات عديدة، كان يفتح الصندوق ويحدق فيه طويلاً.. لم يصله شيء.. خلال اللحظات، التي تمر بطيئة في النظر إلى تلك العلبة المعدنية الفارغة، تدور في رأسه مئات الأسئلة؛ أين رسالتها؟ لم أستلم شيئاً منذ أسبوع، هل أضاع موظفو البريد هنا أو في مدينتها أو حتى خلال رحلة النقل الرسالة؟ أو ربما أكون قد كتبت شيئاً أغضبها مني في رسالتي الأخيرة، فلم ترغب في الكتابة لي مجدداً.. يغلق الصندوق بحركة ملؤها الحزن وخيبة الأمل، فيما يتنقل نظره من زاوية في المكان إلى زاوية أخرى، فيقنع نفسه بأن الغد سيكون مختلفاً، ستأتي الرسالة ويشعر مجدداً بالسعادة.. فيحيا بأملٍ يشجعه على انتظار اليوم التالي.
هذا الصباح، وجد الرسالة.. لم تكن كسابقاتها، لم تكن هناك صفحات كثيرة، ولم تضم أي صورة لها.. فيها جملة واحدة: "أنا قادمة لزيارتك منتصف الشهر القادم.. انتظرني!"
تسألون: كيف تعارف الحبيبان قبل هذه المرحلة، ولماذا بات البريد هو وسيلة التواصل بينهما؟ هذا حديث ليوم آخر.


في الطائرة.. ذكريات الماضي


جلس في مقعده بالطائرة بانتظار الإقلاع.. ربط حزام الأمان.. فيما أخذ يحدق عبر النافذة الصغيرة بجانبه.. يراقب من دون تفكير المركبات التي تتحرك حول الطائرة، العمال الذي ينقلون الأمتعة، والحافلات التي تقل مسافرين إلى طائرات أخرى.. انعكاس ضوء الشمس من على نافذة إحدى تلك الحافلات مباشرة في عينيه أطلق تفكيره نحو الماضي، ليسترجع مشاهد وحوارات وأفكاراً ظن طويلاً أنها لم تُحفظ في ذاكرته.. تذكر ابتسامتها في المرة الأولى التي التقاها فيها.. نظرتها إليه، التي ومن دون أي كلمة، كانت تقول: "أحبك".. دفءٌ جارف اجتاح جسده، عندما استعاد تلك الصورة في مخيلته، بات يراها أمامه بأدق تفاصيل وجهها وملامحها.. بات يرى ويشعر بكل التفاصيل التي أحاطت بتلك اللحظة؛ الأصوات والحركات والأشخاص، الذين كانوا في خلفية المشهد، وعطرها الذي لن ينساه ما حيي، أدرك أنه لم يتوقف أبداً عن حبه لها، وأنه لم يتمكن في يوم ما بعد ذلك من أن يحمل مشاعر مماثلة تجاه أي امرأة أخرى منذ افترق عنها.
يخرج هاتفه من جيبه، ويبحث عن آخر رسالة كتبها إليها.. كانت رسالة عادية، يسأل فيها عن أحوالها، يتمنى لها عاماً سعيداً قادماً.. لكنه يعرف أنه لم يكتب تلك الرسالة لذلك السبب، هو يعرف أنه أراد سؤالها عن شيء آخر تماماً: "هل أخطأنا في خيارنا؟ هل كان علينا التفكير أكثر قبل اتخاذ قرارنا؟" لكن كبرياءه منعه من الوصول إلى تلك النقطة في رسالته.. لم يرد أن يخطو هو الخطوة الأولى، فماذا لو قالت: "لا لم نخطئ"؟
يعود بنظره إلى النافذة، ويراقب فيما تبدأ الطائرة تحركها ببطء نحو مدرج الإقلاع.. ليعود إلى ذكرياته، حينما قالت له إن المشكلات تزداد من دون أسباب حقيقية، وإن ظروف الحياة تتسبب في شجارات لا معنى لها بينهما، وإن من غير المعقول أن تؤثر على علاقتهما إلى هذا الحد، لكنه لم يرَ الأمور على حقيقتها، كان يعتقد أن الحياة بينهما أصبحت مستحيلة، وأنه من دونها سيعود إلى الحرية وسيجد السعادة في قصة حب أخرى، حب حقيقي يدوم ولا تؤثر فيه هموم الحياة.. لم يكن يعرف أن السعادة كانت هي، وجودها معه، إلى جانبه.. لم يكن يعلم..
سنوات عديدة مرت، بعد لقائهما الأخير، لم يجرؤ خلالها على طلب لقاء جديد، ربما لإداركه أنه سيضعف أمامها وسيعترف بخطئه.. هو على ثقة من أنه قوي جداً، وأن إرادته صلبة إلى أبعد الحدود، لكن ليس معها.. ربما كان هذا دليل حبه لها بالرغم من كل شيء، ربما كان هذا السبيل إلى معرفة أن حياته من دونها فارغة.. لو كان أزال الغمامة التي سوّدت أفق بصيرته طوال هذا الوقت، لكان أدرك أنه لا يريد من حياته سوى العودة إلى تلك اللحظة الأولى التي التقاها بها، ليقول لها إنه لن يفارقها أبداً.
يخرج من أفكاره وذكرياته، ليشهد إقلاع الطائرة، ويراها ترتفع عن الأرض متوجهة نحو السماء.


Saturday, May 16, 2020

2020 The year we stopped recognizing one another



The effects of the Coronavirus go beyond the huge numbers of victims who lost their lives with no reason whatsoever, with no purpose and obviously before they could do many things they were planning the year before, the month before, and maybe even the week before.

The effects go beyond the unnecessary suffering of millions of people who were in pain laying on hospital beds or screaming at their homes not knowing what hit them, and the cries and heartache of those who watched what was happening to their loved ones, not being able to do anything to help relieve their pain. The effects caused a great deal of damage to our civilization as a whole.

The closed stores and restaurants and coffee shops, the total lockdown in cities that never knew what that word even meant only days before it happened, the empty schools and universities and public parks and squares that were points of gathering and learning and playing and simply enjoying a sunny day for each and every person, no matter where they lived or what language they spoke, or which religion they believed or did not believe in, all were results that none of us could have even imagined in their wildest nightmares, and even though we have seen similar scenes in a number of films, we always thought they were only a crazy man’s fantasy.

The point that we are forced to wear masks all the time, harmed us in more than one of our basic human elements; the ability to recognize each other’s faces, and to know whom you are talking to, to relate to his/her facial expressions, to understand what they mean even without words being spoken, simply by looking at their face, to understand if someone is happy, sad, angry, calm, excited, or even bitter; this is also gone. One of the main instruments of human interaction and relationships just disappeared, now suddenly we cannot express ourselves by using gestures, we cannot smile at anything, we cannot smile at all, and if we do, no one is there to see it, to interpret our movement of the lips, to understand that we are talking seriously or making an innocent joke. The famous phrase: “lovers understand each other without words” is gone forever. You must use different methods to recognize your brother and sister, your friend, your colleague, and maybe your parents and spouse; methods other than how ‘they look’, you must know what they wear, how they walk, what their hair styles are like each time you meet them. All of a sudden, the spoken language is, again, the only way of communication; explicit direct words, are how everyone else can understand what you mean when you want to communicate anything.

The virus didn’t only put entire nations to their knees, and ruin what human kind has achieved in hundreds of years in terms of interpersonal relations and community life traditions of cooperation and “lending a hand” to each other whenever needed, it also taught us an important lesson, it showed us how insignificant and small we are; it made us see that no matter how big the weapons we built, and which plans we had against one another, no one is safe from the wrath of nature and the rage of our planet.

Thursday, January 16, 2020

Tablets vs Laptops


When Steve Jobs presented his then-new product line in 2010; the iPad, he described it as something that should be located between a smartphone and a laptop. What we understood from Jobs’ presentation was that the tablet should have been something that provided the factors of ease of use and lightweight of a phone, and combined that with the possibility of having a better media consumption experience, in addition to a somewhat limited options related to productivity, such as e-mail, basic document typing, and viewing.
With time, we found something weird happening, the tablet makers (including Apple, Samsung, and others) were not satisfied with the way things were going. As a matter of fact, we started witnessing tablets morphing to become semi-laptops, and laptops transforming into tablets. Not only that, but we also saw accessories to the tablets, such as Bluetooth keyboards and mice, in addition to stands, which effectively turned the tablet into a fully functioning notebook or even a desktop computer.
On the other side, makers of laptops, like Asus, Acer, Dell, and others, started to release notebooks with touch-screens that can flip back 360 degrees to provide the user with a tablet-like experience. Then we found new products; detachables, which are notebooks with screens that can be separated from their physical keyboards to be used fully as tablets.
In the last few years, something new started appearing; the Pro products, tablets, like the iPad Pro, the Galaxy Tab S series, and the Surface Pro series. Those are tablets that have high specifications concerning processing power, that if you attach a keyboard to any one of them, you have a fully functioning notebook, especially the MS Surface, which runs on a complete Windows operating system.
The question now is, with these mutations, what will we see in the coming decade? Will all this maybe take us towards a third category?