Saturday, April 27, 2013

المجتمع الإيكولوجي


هناك العـديد من الأمـور المرتبطة بالتطـور التكـنولوجـي المصاحب لرحـلة الجـنس البشـري عـلى ظـهـر كـوكـب الأرض؛ مـن أهـم هـذه الأمـور هناك الآثـار الـتي يـتركـها في محـيطـه: هـذا المحـيط الذي نمـا وتوسـع ليـتحـول من القـرية أو المديـنة الصـغـيرة التي كـان يقـطـنهـا في المـاضـي إلى استيطان كـل جـزء من أجـزاء الأرض... اليـوم، ونتـيجـة للإنجـازات العلمية والطـبية، فقد أصبح ممكناً للفـرد التـمـتع بحـياة أطـول مقـارنة مع مَـن سـبقـنا، وأصبح للمواليـد الجـدد إمـكـانية للحـياة بشـكـل يتجـاوز بمـرات ما كـانت عـليه الأمـور في الماضي... وكل هذا أدى إلى الانفجـار السـكـاني الذي نشهده، والذي سيتفاقم بصورة كبيرة خلال العقود القادمة.
الفكـرة الرئيسـة الـتي أدركناهـا بفضـل الاكـتشافات العـلمية المتواصلة منـذ القـرن الخـامس عشـر وحـتى اليـوم هـي أن الكـون، بكواكـبه ونجـومه ومجـراته، لا يتحـرك ويدور حـول الإنـسـان كمـا كـان الاعـتقـاد سـائداً؛ فـالأرض ليـسـت مركـز الكـون، والشـمس وبقـية الأجـرام السـماوية لا تدور حـولها تكـريماً لنا، والبشر ليسوا غاية هذه الكينونة ولا سبب الوجود... الإنسان ما هـو إلا جـزء يكاد يكـون بلا أهـمية تذكر في خـضـم العـوامل والمؤثرات المحـيطـة به، سـواء عـلى ظهـر هـذا الكـوكـب أو في أية نقـطـة أخـرى من هـذا الكـون... الطـبيعة ليـست بحـاجـة للإنـسـان في أي شـيء؛ فهي قـادرة عـلى الاسـتمرار وعـلى النشـوء من جـديد في كـل مـرة تتطـلب منها الظـروف ذلك... نحـن نذكـر أن الديناصـورات انقرضـت بفعـل عـوامل طـبيعـية، إلا أن الأرض والحـياة عليـهـا تمـكـنت من الإسـتمرار؛ وفي تلك الحـقـبة، لم يكـن للإنسـان وجـود... فهل الطـبيعـة بحـاجـة إلينا؛ أم أننا نحـن بحـاجـة إليها، بكـل مكـوناتها ونسـبها وعـواملها ومعادلاتها، كي نتـمـكـن من الحـياة؟
ورغم هـذه الضـآلة، فقـد تمكـن الإنسـان (بفضـل تطـوره العـلمي وارتفاع مسـتويات ذكـائه) من تطـويع الكـثير من حـوله بهـدف تسـهـيل الأمـور عـلى نفـسه... فمن أنانيته الظـاهرة في رغـبته في السـيطـرة على كـل ما تلمسه يداه (تلك الأنانية التي كـان مصـدرهـا الاعـتقـاد بأن كـل مـا في الكـون موجـود لنا) بدأ في التدخـل في الطـبيعة، ويسـتمر في فعل ذلك اليـوم، من دون أداء الحـسابات الخـاصة بنتائج ذلك التدخـل.
ما عـلينا معـرفـته هـو أن الإنـسـان سيواصل بحثه عما يسـهـل عـليه الحـياة، لكـن – في الوقـت ذاته– عـليه أن يبذل كل ما في استطاعته لتجـنب التـأثـير في العـوامل الطـبيعـية... لا يتوجب عـلينا التـوقـف عـن إنـتاج العـلوم والآداب المخـتلفة مثـلاً، لكـن مـا يجب أن نعـرفه هـو أن طـباعة الكـتب بشـكلها الحـالي تؤدي إلى القـضاء عـلى غـابات كـان عـلى العـوامل الطـبيعـية أن تتفاعل لحـقـب زمـنية طـويلة جـداً كي تتمكن من إنـتاج الظـروف المناسـبة لظهورها... وسـيكـون العمـل المطـلوب لإعـادة إنـتاجها طـويلاً جـداً كذلك؛ قـد يتجـاوز في طـوله المدة التي سـنكـون نحن موجـودين خـلالها.

الإيكـولوجـيا
الإيكـولوجـيا هي العلم الذي يبحـث في عـلاقة الكـائنات الحـية (إنسـان، حـيوان، ونبات) ببيـئتها الطـبيعية والبيئـية... العـوامل الطـبيعـية تشـمـل الضـوء والحـرارة والرطـوبة والرياح والأكـسجـين وثـاني أكـسيد الكـربون والتـربة والمـياه وغـيرهـا الكـثير... كـل تـلك العـوامل مجـتمعة مكـنت الحـياة بصـورهـا وأشـكالها المخـتلفة التـي نراها اليـوم من النشـوء والوصول إلى مـا هـي عـليه... أي اختـلال في توازن أي من تلك العـوامـل سـيكـون ذا أثـر عـلى كـل عـناصـر الحـياة عـلى الأرض.
إن كـل مـا يـنتج بشـكل طبيعي يدخـل ليشكل جزءاً في دورة الحـياة، وبموته يـنتقل إلى شـكل آخر يسـاهم في إنتاج مـا يليه في تلك الدورة... إلا أن ما ينتجـه الإنسـان تجـاوز تلك الدورة الطـبيعـية وعـاد ليضيف إليها ما لا يـمكـن احـتواؤه فيها؛ لأنه بحـاجـة إلى فـترات زمـنية طـويلة جـداً كي يتحلل، لذا من غـير الممكن أن يدمج في الطبيعة.
يتداخل هذا العلم مع غـيره (كعلم البيئة والجـيولوجـيا والعلوم المخـتصة بسـلوك الحـيوانات)، حـيث أن عـوامله تؤثر وتتأثر بمواد البحـث لتـلك العـلوم.
المخـاطر التي تهدد التوازن الإيكـولوجـي (أو البيئي الطـبيعـي) اليـوم هـي – بشـكل رئيسـي – من إنتـاج الإنسان؛ فمن اسـتخـدامه غير المتوازن للمصادر الطـبيعية وصـلنا إلى ما يعـرف بمشـكلة الاحـترار العـالمي (أو التغير المناخي) الذي هـو الازدياد المضطرد لدرجـات حـرارة سـطح الأرض ومـياه المحـيطات بسـبب الكـميات الهائلة من غاز ثاني أكسـيد الكـربون التي نبثها في أجـواء كـوكـبنا من مصـانعـنا وسـياراتنا التي تسـتخـدم مصـادر طـاقة من الوقود الحـفري... هذا التغـير في درجات الحـرارة أدى بالفعـل إلى الإضـرار بالكـثـير من الأنظـمة البيـئية (Ecosystems)، وأدى بالفعـل إلى انقـراض بعـض الكـائنات وإلى تهـديد الـتنوع البيولوجـي، وسـيؤدي إلى تغـييرات بيئية كبيرة جـداً في المسـتقبل... اسـتمرار الإنـسـان في القضـاء عـلى الغـابات سـتكـون له نتـائج سـلبية عـدة؛ عـلينا ألا نـنسى أن في قاع السلـسلة (أو الدورة) الغـذائية الطـبيعية هناك النبـاتات التي هـي المزود الرئيسي للغـذاء لمعـظم الكـائنات الحـية وهـي المزود الأول للأكـسجين في الجـو عـن طـريق عـملية التمثيل الضـوئي.
الآثـار الأخـرى تخـص مـمارسـات اعـتاد الإنسـان عليها؛ كـصـيد أنواع معـينة من الحـيوانات البرية أو البحـرية، ما أدى إلى انقـراضها أو إلى جـعـلها مهـددة بالإنقراض... هذه الممارسات قد لا تبدو مهمة جـداً للوهلة الأولى؛ إلا أنه بإدراك وجود دور لكل كـائـن حـي (مهما كـان ضـئيلا ً) يلعـبه ضمن نظامه البيئي في سـلسـلة متماسـكة من الأدوار، يجـعـلنا نفهم أن إلغـاء أي حـلقة في تلك السلسلة سـتكون له عـواقـب وخـيمة.

المجـتمـع الإيكـولوجـي
كـل ما ذكرناه سابقاً ما هـو إلا الصـورة الحـالية لوضع الإنسـان كعـامل مؤثر في البيئة الطـبيعـية... ما عـرفناه مؤخـراً يشـير إلى أن الممارسات (التي اعـتدناهـا خلال الفـترات التاريخية السـابقة من حـياتنا كبشـر) تسـير بهـذه السـفيـنة الكـبيرة المحـتوية على كـل شـيء نعـرفه في الطـبيعة إلى الغرق؛ وما عـلينا القيام به هـو تغـيير أسلوب حـياتنا بصورة جذرية... عـلينا أن نتوقف عن صـيد الأنواع المهددة بالانقراض؛ بل وعـليـنا أن نوقف كـل أنواع الصـيد الذي لا يهدف إلى توفير ضروريات حـياتية لا بديل عـنها... عـليـنا البحـث عـن مـواد قابلة للتحـلل بشـكل طبيعي عـند انـتهاء الحـاجـة التي صـنعناها من أجـلها (كالأكـياس الورقية بدلاً من البلاسـتيكية)... عـلينا العمل على إعادة التصـنيع (Recycle) للمواد غـير القابلة للتحلل (كـالمعادن والزجاج وغـيرها)... عـليـنا وقـف قـطع الأشـجـار وإزالة الغابات، وعلينا العمل على تعـويض ما خـسرته تلك الغـابات بسـببنا (يمكـن أن يكـون ذلك عـن طـريق زرع الأشـجـار وإنشـاء مـناطـق محـمية يمنع فيهـا قـطـع الأشجار تحـت طائلة القـانون)... عـلينا الاسـتفـادة مما تقـدمه لنا الطـبيعة من مصادر طاقة لا تؤدي إلى تفـاقم مشـكلة الاحـترار العالمي (كالرياح والطـاقة الشـمسية) وعلينا تقديم الدعم فيما يتعلق بالبحـث العـلمي في مجـالات الطـاقة البديلة.
أما فيما يخـص الأفـراد، فهـناك ممارسات بسـيطـة تسـهم بشكل مباشـر في تخـفـيف الأزمة الإيكـولوجـية والبيئية؛ مـنهـا مثـلا ً مقـاطعة الشركـات التي لا تحترم البيـئة في نشاطاتها وفي المواد المستخـدمة في منتجاتها الصـناعـية... يمكـننا التقـليل من استخـدامنا للسـيارات عـندما يكون المكان الذي نتوجـه إليه قريبـاً أو باسـتخـدام المواصلات العـامة، إن توفرت... يمكـننـا التقـنين في اسـتخـدامنا للأجهزة الكهربائية (فمصدر الكهرباء هـو مولدات الطاقة المعـتمدة في عملها عـلى مصادر الوقود الحـفري)... علينا التحول إلى القراءة الإلكترونية، لتحويل صناعة الورق (التي تتسبب بتدمير الغابات وقطع الأشجار) إلى استثمار تجاري خاسر.
لكـن أول ما يـتوجب عـلينا عـمله هـو إدخال التربية البيئية في مناهجـنا التعـليمية... علينا خـلق جـيل جـديد ملم بالقـضـايا المذكـورة وواع ٍ لضرورة التـدخـل لتغـيير الأوضاع الحـالية... جـيل مؤمن بـأنه جـزء من الطـبيعـة معـتمد عـلى كـل عـضـو آخـر فـيهـا لكي يـتمـكـن هو من الحـياة، وأنه ليس على درجة أعلى منها... علـى الجـيل القـادم أن يعـلم أن أخطاء من سـبقوه هـي التي تسببت بالمشـكلات التي يعاني هـو منها... جيل مقتنع تمام الاقتناع بأنه بحاجة إلى السـير في طـريق جـديد.

دورة الحـياة بصورتها الطبيعية هي التي تقـدم لنا إمكـانية الاسـتمرار والتكـاثر وهـي التـي وفـرت لنا، عـلى مر العـصور، ما كـنا بحـاجـة إليه من مصـادر ضـرورية للعيـش... وكأفراد ومجـتمعـات وصـلت إلى مـا هـي عـليه بفضـل المصـادر التي وفـرها لـنا كوكب الأرض، عـليـنا أن نحـترم الطـبيعـة وعـوامل البيـئة المخـتلفـة حـتى لا نصل إلى مرحـلة نجـد فيها أن مـا اقترفناه لا يمكـن إصلاحه... الأمر الذي سيكـون الجـنس البشري برمته هـو أول ضحاياه... لننضم نحن بعد ذلك إلى الديناصورات، في عالم اللاوجود.

No comments:

Post a Comment