Wednesday, September 18, 2019

أديان متشابهة.. لماذا الصراعات؟

أديان متشابهة... لماذا الصراعات؟

الرب واحـد... على الأقل بالنسـبة للأديان الإبراهـيمية الثلاثة... خـلق الكـون وحـث على فعـل الخـير وحب الآخرين... لماذا الكراهية والحروب والقتل إذاً؟

باسـم إله واحـد يصلي اليهود والمسيحيون والمسلمون ويتبعون قواعـد معيشـية محـددة، وينـظرون إلى المسـتقبل ويتوقعونه وفق ما تذكـره كـتبهم المقـدسـة... وفي أحـيان كـثيرة، هـم أيضـاً يخـوضون حـروباً ضد بعـضـهم البعـض... وفي كل مجـتمع ديني، هـناك من ينظـر إلى المجـتمع الآخـر بوصـفه العـدو، وتبحـث كـل مجـموعة من أتباع دينٍ ما عن الاخـتلافات والتضـارب بين معـتقداتها ومعـتقدات أتباع الأديان الأخـرى، في إطـار جـهود تهدف إلى الانعـزال عن الآخرين، بدلاً من البحـث عن نقاط الاتفاق والتفاهم وعن العـوامل المتشـابهة، أو حـتى المتطـابقة، بين الأديان الثـلاثة... وهـي كـثيرة.
إذا أدركـنا أن أتـباع الديانات التوحـيدية الثلاث يمثـلون قرابة نصـف الجـنس البشـري، فإن أهـمية مهمتنا تأخـذ طـابعاً أكـثر إلحـاحـاً... بداية، عـلينا معـرفة أن من الأمـاكـن المقدسة لديهم جـميعاً هناك قاسم مشترك بينها جميعاً؛ القدس ومواقع أخـرى في فلسـطين التاريخـية.
وبالعـودة إلى الكـتب المقدسة؛ العـهدين القديم والجـديد والقرآن، نجـد أن أصـل القصـة واحـد... وبتجـاوز التماثل بين قصـة بدء الخـلق والأحـداث الخـاصة بآدم وحـواء وطـردهم من الجـنة لعـصيانهم الله (أو الرب أو ياهوه أو ألوهيم)، فإننا نصـل إلى القصـة المرتبطة بالشـخـصية المـركـزية بالنسـبة لليهود والمسيحيين والمسـلمين، وهـي قصـة الرجـل الذي جـاء من نسـله كـل الأنبياء المعـروفين في النصـوص الدينية؛ وهـنا الحـديث بالطـبع يدور حـول إبراهـيم، مؤسـس فكـر التوحـيد الإلهـي، وبطريرك اليهود الأول وأبو إسـحق وإسـماعيل اللذين جاء من نسـلهما اليهـود والمسـيحيون والمسـلمون... هـذا بحـد ذاته، وفق باحـثين ومؤرخـين، من أكـبر الدواعي للأخـوة والصـداقة بين شـعوب الأديان المذكـورة.


الأمـاكـن المقدسـة للديانات التوحـيدية الثلاث... أتـباع اليهـودية يصـل عـددهم في العـالم إلى نحـو 15 مـليون شـخـص، وقد شـكلت تعاليمهم الإيمانية أول دين في سـلسـلة أديان يعتبرها أصـحابها سـماوية ذات أصـل مشـترك... تعداد أتـباع المسـيحـية تجـاوز 2.2 مـليار شـخص، وقد انتشـرت الديانة بشـكل كـبير في أرجـاء الأرض بعـد اعتناق الامبراطورية الرومانية لهـا.. أمـا الديانة الإسـلامية فقد كانت الأخـيرة في الظـهور ضـمن هذا التسـلسل ويصل أتباعها اليوم إلى نحو 1.57 مليار شـخـص.


الحـادثة الأشـهر بالنسـبة إلى هـذه الشـخـصـية الدينية هي تلك المرتبطـة بالأمر الذي تلقاه من الله فيما يتعلق بالتضحـية بابنه، وذلك عن طريق ذبحـه تأكـيداً لإيمانه بالخـالق (الصـور في الأسفل)... وبالإضـافة إلى ذلك، نجـد أنه، ووفق اعتقاد المسـلمين، قام إبراهيم وابنه إسـماعيل ببناء الكـعبة، المـكان الأقدس بالنسـبة إليهم... والحـقيقة هـي أنه انطـلاقاً من تلك اللحـظة، ظـهـرت الأديان بتعـاليم وأطـر تطـورت وتبدلت وتغـيرت؛ لتجـلب القوانين التي تحـكم تصـرفات المؤمـن في كل دين وتحـدد أسـلوب حـياته وتشـرع مـا هـو مسـموح ومـا هـو ممنوع أو محـرم، ثم تضـع عقـوبات يجـب تطـبيقـها على كـل من يخـالف تلك القوانين.


أبو الأديان الثـلاثة هـو إبراهـيم الذي تقول التوراة إنه عاش في أور جـنوب بلاد ما بين النهـرين قبل أن يسـافر إلى الخـليل بفلسـطين.. يعتقد أنه عـاش قبل ألفي عـام من المسـيح؛ إلا أنه ليس هـناك أي آثار تاريخية تؤكد وجـوده... بالنسـبة إلى الديانات الثلاث، إبراهـيم معـروف ضـمن رواية طـلب الرب بأن يقوم بالتضـحية بابنه (إسـحق في اليهودية والمسيحية، وإسـماعيل في الإسـلام) قبل أن ينجـده الله باسـتبداله بكبش.
1: إبراهـيم يهـم بذبح ابنـه في لوحة للرسام الإيطـالي أندريا ديل سـارتو تعـود للعـام 1528.
2: لوحـة تعـود للعام 1583 في العـصر العـثماني وتظـهر في جـزئها العـلوي تضـحية إبراهيم وفي السـفلي يظهـر إبراهيم وقد حـاول قومه حرقه قبل أن تجـعل مشيئة الله من النار برداً وسلاماً عـليه، وفـق مـا جـاء فـي القـرآن.
3: رسـم للحـدث ذاته من كـتاب صـلوات يهـودية يعـود للعـام 1692 يأتي من جـزيرة كورفو اليونانية.


وبدراسة النصوص الدينية الثلاثة، من السهل اكتشاف أن الشـخصيات المذكورة فيها كلها، سواء الأنبياء و المـلوك أو الصـالحين والطـالحين، متشـابهة وأن الأحـداث متماثلة، مع وجـود تباينات محـدودة في التفاصيل، تعـود بالتأكـيد إلى تباعد الفترات الزمنية التي كـتب فيها كل نص مقدس واختلف فيها الكـتبة... وبالانـتقال إلى العـلاقـة بين الديانتين الإسـلامية والمـسـيحـية، من الواضـح أن الشـخصية المركـزية؛ المسـيح بن مريم، تعـد شـخـصية مـشـتركة، حـيث أن تفاصـيل القصـة متشـابهة لأبعـد الحـدود... الطـفل يسـوع أو عيسى يولد لمريم العـذراء في بيت لحـم... في المسـيحية يعـد جـزءاً من الثالوث المقدس؛ الآب والإبن والروح المقدس، في حـين أنه بالنسـبة للمسـلمين رسـول جـاء للدعـوة إلى الدين الصـحيح وعـبادة الإله الواحـد... المسـيحيون يؤمـنون بأن يسـوع مـات عـلى الصـليب قبل أن يبعـث من جـديد وينتقل إلى السـماء، في حـين أن المسـلمين يرفضـون فكـرة الصـلب والموت ويؤكـدون أن الله رفعه إلى السـماء وأن من صُـلب شـخص آخـر "شـبه لهم"؛ ويعتقد كثيرون أنه كان يهوذا الذي خان المسيح.

قصـة المسـيح تتشـابه في أجـزاء كـثيرة منها لدى المسـيحيين والمسـلمين؛ مثل ولادته من مريم العـذراء، رغـم أن القرآن لا يذكر أي شـيء عن يوسف النجـار الذي كان خـطيبها؛ وفقاً لرواية الإنجـيل... الاخـتلاف الرئيسـي بين الديانتين بشأن المسـيح هـو نهـاية قصـته؛ إذ أن العـهد الجـديد يؤكـد أنه مات عـلى الصـليب قبل أن يعـود إلى الحـياة من جـديد، في حـين يؤكد الإسـلام أنه لم يمت بل صـعـد إلى السـماء.
إلى اليمين: لوحـة صـلب المـسيح (1769) للرسـام الألماني أنتون رفاييل منغس.
إلى اليسار: رسـم صـعود المسـيح للمؤرخ سـيد لقمان عاشوري من كتاب "زبدة التواريخ" الذي تم إهداؤه للسـلطان العثماني مراد الثالث عـام 1583.

لكـن، ورغـم الاخـتلاف الكـبير في نهـاية القصة في الكتابين المقدسين، فإن أتباع الديانتين يؤمـنون بأن المسـيح سـيعود إلى الأرض في نهـاية الزمـان؛ قبل مـدة وجـيزة من يوم القـيامة؛ إذ أن المسـلمين يعـتقدون بأنه سـينضـم إلى المهـدي المنتظر في حـربه ضـد المسيح الدجال... وبعد موت المهدي، سيتولى عيسى القيادة وستحل العدالة ويسـود السلام في أرجـاء الأرض... وبصـورة مشـابهة، يعـتقد المسـيحـيون أن يسـوع سيرجـع في آخر الزمان لينشئ حكمًا يبلغ فيه الملكوت ذروته ويصل في نهـايته إلى قيامة الموتى وانفتاح العالم المؤقت والدنيا الفانية على الأبدية والخلود.

وبالنظـر إلى تعـاليم الأديان الثـلاثة، فإن الحـقيقة هي أنها كـلها تحـض على الالتزام بالأخـلاق الكـريمة ومسـاعدة المحـتاجـين والزهـد فيما يتعـلق بمتطـلبات الحـياة والبحث عن العـدالة والمسـاواة والتكـافل والتضـامن الاجـتماعيين في مجتمع كل منها حصرياً، وتحـث على اتباع قاعدة ذهبية هي: "أحب لجـارك (أو لأخيك) ما تحـب لنفسـك"... والواقع الذي نتعرف عليه من دراسـة كل ما تركه لنا التراث الديني عبر العصـور هـو أن الفكر التوحيدي هو ذاته... إذاً، لمـاذا هـذه الخـلافات وهذه الكـراهـية التي أفضـت إلى خـلق هـذه الصـراعـات والحـروب المـتواصـلة منـذ قرون طـويلة، والتي لا يـبدو أنها تقـترب من نهـايتها؟
الإجـابة الأقصـر عـن هـذا السـؤال هي: الإنسـان... حـيث أن الطـبيعة البشـرية تفرض الرغـبة في الحـصول على السـلطة والثـروة، وهـذا يعـني ضـرورة ادعـاء كـل شـخص وكل قائد أو زعـيم ديني احـتكار الحـقيقة، وأنه يعـرف الطـريق الصـحيح ويفهـم مـا يريده الله من الإنسـانية... والسـبيل إلى الحـصول على السـلطة التي يوفـرهـا هـذا الادعـاء هـو إقـناع أتـباع ديـنه بأنهم يمثـلون الخـير في هـذا العـالم وأن معـتقدات الآخـرين خـاطـئة وأن من له دين مخـتلف سيكون مدافعـاً عـن الشـر والفكر المظلم وسيرغب في إلحـاق الأذى والضـرر بالفكـر السـليم وأصـحابه... هـذا الأسـلوب حـوّل الأديان إلى سـلع، كل حـاخـام أو راهـب أو إمـام يريد بيعهـا ليزيد أرباحـه وأرباح قومـه ويضـيف إلى سـلطاته ويمنحـه مـزيداً من الغـنى والثراء، إذ أن أعـداد المنضـمين إلى المسـيحية، وفق بعض قادة الدين المسـيحي، تشـكل سـلاحـاً يمكـن اسـتخدامه لمحـاربة المسـلمين، وكـلما ازداد عـدد معتنقي الإسـلام، كلما صـوّره الزعماء الدينيون على أنه ذخـيرة يمكـن اللجـوء إليها لقـتال المسـيحيين واليهـود... وقد كانت هـذه طريقة ناجـعة على مر الزمان لتحـويل أنظار العامة عن المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهونها، من دون حتى البحـث عن حـلول ممكـنة لها... على الجـانب الآخـر، كان إصـرار مـمثلي الأديان ومدعي العـلم بها على رفض التغـيير والتطـور والتأقـلم مع الظـروف الحـياتية المتغـيرة، ومحـاربتهم للأفكـار العـلمية والنظـريات الحـديثة، دافعـاً آخـر لهـم في الحـض عـلى محـاربة أصحاب تلك الأفكار وتصويرهم عـلى أنهم الأعـداء الجدد الذين يريد الله منا أن نقاتلهم. 

إياد أبو عوض

3 comments:

  1. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  2. إنها قضية منطقية جدا وبالرغم من ذلك تستمر العداوة والكراهية وبنظري انها تعتبر نوع من الغريزة البشرية المتوارثة .....
    فعلا يجب علينا التغيير.

    ReplyDelete
  3. هناك أسباب كثيرة ومعقدة لهذه الاختلافات والتي أدت الى التناحر بين الاديان بالرغم من ان المعبود واحد
    .. وأحد هذه الاسباب (السياسة الدينية) والتي استغلها بعض الاشخاص المتنفذين والمسيطرين (رجال الدين) على عقول الناس لغرض تنفيذ مأربهم ومصالحهم الشخصية ..حتى انتشرت بمرور الزمن الافكار المتعصبة لدين معين ضد الدين الأخر وتوسيع الشق بين الأديان ..

    ReplyDelete