Saturday, December 8, 2018

التعديلات الجينية.. هل سنشهد قريباً ظهور البشر الخارقين؟



ما هو مسار التطور العلمي، في أي مجال، على مر التاريخ؟

كما جرت العادة، البداية بالنسبة إلى الإعلام والمؤسسات الحكومية والدينية هي شجب التجربة العلمية وما ينتج عنها ورفض فكرة تطبيقها، ثم وصفها باللاأخلاقية والدعوة إلى اتخاذ خطوات قانونية تجرمّها وتهدف إلى الحيلولة دون تكرارها، وإصدار الفتاوى والآراء الدينية التي تؤكد أنها ضد المبادئ، التي أكدتها الكتب السماوية، وبالتالي تحرمّها وتصفها بأسوأ الكلمات التي تحط من قدرها وتضع القائمين عليها في صفوف الشيطان أو المرضى النفسيين Psychopaths.

الوصف في الأسطر القليلة السابقة لا يرتبط، بالضرورة، بالحالة التي سيتحدث عنها هذا المقال، فهو أمر تكرر عبر التاريخ، وأمر شهدناه وقرأنا عنه مراراً في أزمنة ومواقع جغرافية مختلفة، فهو مرتبط مثلاً بما حدث لجيوردانو برونو وجاليليو جاليلي، عندما أكدا، وبشكل منفصل، أن الأرض ليست مركز الكون؛ وهو ما خالف أسس مدرسة أرسطو، التي اعتمدتها الكنيسة الكاثوليكية كجزء من عقيدتها الدينية... هذا الأمر كان كافياً للكنيسة آنذاك من أجل محاكمتهما وإصدار أحكام ضدهما بسبب وقوفهما وراء أفكار تخالف المعتقدات المسيحية (التي كانت هي قوانين الدولة، فالكنيسة كانت تمثل الزعامة السياسية أيضاً).. لذلك قضت بإعدام الأول حرقاً، وبسجن الثاني في منزله حتى موته.
 
محاكمات العلماء.. إلى اليمن، جيوردانو برونو، وإلى اليسار غاليليو غاليلي.
لماذا بدأنا هذا المقال بالعودة إلى الماضي؟ لأن شيئاً لم يتغير؛ مع كل ما حققته البشرية بسبب التقدم العلمي والتطبيقات التكنولوجية التي تبعته، وفي مجالات عدة، لانزال في حقيقة الأمر ثابتين عند تلك النقطة، نرفض التحديث ونحارب كل ما هو جديد ونشكك في أي أمر يهز أرض معتقداتنا، التي نؤمن بأنها أرض ثابتة صلبة، لن يطرأ عليها أي تغيير.

اليوم، نواجه أمراً مشابهاً تماماً.
بعد عقود من البحث والدراسات في مجال الوراثة والجينات وأسرار الحمض النووي، توصلنا إلى فهم أكبر فيما يتعلق بأجسادنا وفسيولوجيتنا وأسباب إصابتنا بالأمراض، أو بالأحرى قابليتنا للتعرض لها... نحن الآن ندرك أن هناك جينات مسؤولة عن كل جانب من جوانب حياتنا، من القدرات العقلية والجسدية، إلى قابلية أجسامنا للحصول على حياة طويلة أو قصيرة، إلى نوع الشخصية التي سنمتلكها.

لماذا تمت هذه الدراسات، ولماذا قضى علماء عديدون سنوات وسنوات فيها؟ للتوصل إلى فهم شامل حول الحياة، وللمساهمة في تحسين ظروف معيشة كل منا، والدفع باتجاه التوصل إلى علاجات لأمراض لا تزال تفتك بالملايين حول العالم.

البداية في أي حرب على أي مرض هي بفهم مسبباته وآلية عمله للتمكن من وضع دواء يشفي من يصاب به، أو يحول دون الإصابة أساساً به؛ مثلاً عبر اللقاحات الطبية التي تقدم للأطفال لمنع إصابتهم بالأمراض الخطيرة لاحقاً في حياتهم.

العالم الصيني "هي جيانكوي" He Jiankui المتخصص في علم الأحياء، والذي يشغل منصب أستاذ مساعد في الجامعة الجنوبية للعلوم والتقنية في الصين، أعلن ولادة توأم (أختين) قام هو بالإشراف على عملية تعديلهما جينياً في رحم أمهما، لماذا؟ للحيلولة دون إصابة أي منهما بمرض الإيدز... بالطبع هذا الأمر تم للمرة الأولى في تاريخ البشرية. 
هي جيانكوي
من المنطقي أن تكون ردة الفعل إيجابية، فالطفلان سيكونان في مأمن طوال حياتهما، ولن يتعرضا أبداً للإصابة بمرض لم يتمكن الأطباء والباحثون من التوصل إلى علاج له حتى يومنا هذا... لكن ما حدث كان مختلفاً، الإعلام بدأ بشن حملات ضد العالم الصيني، السياسيون اتهموه بالقيام بعمل مخالف لأخلاقيات العمل العلمي والطبي والإنساني، والمؤسسات الدينية سارعت إلى مهاجمته وتحقير إنجازه وتحريم ما قام به ووصفه بأنه يحاول لعب دور الله.

في حقيقة الأمر، هذا الدور لعبه العلماء منذ قرون، وبنجاح؛ فقد تمكنوا من تفسير أسباب الإصابة بالأمراض والتوصل إلى علاجات وأدوية تمكن المصابين من التغلب عليها ومواصلة حياتهم، بدلاً من المعتقدات بأن أرواحاً شريرة هي التي تقف وراءها... العلماء والأطباء، فهموا طبيعة مشكلات صحية كانت تؤدي في معظم الحالات إلى الموت في الماضي، وتمكنوا من حلها باستخدام أقراص أو حبوب تواجه الميكروبات والفيروسات التي تسببها، بدلاً من انتظار القدر والاكتفاء بالدعاء والصلاة للمرضى، الذي يعانون ويتألمون بشكل تصاعدي حتى وصول لحظة الموت... العلماء شرحوا لنا كيف يعمل الكون وأوضحوا لنا قوانينه وفسروا لنا الليل والنهار، بدلاً من أفكار الأرض المسطحة التي تدور حولها الشمس والكواكب والنجوم.

واليوم، يريد الإعلام والسياسيون والمؤسسات الدينية منع وصولنا إلى المرحلة القادمة من التطور البشري؛ مرحلة سيكون لدينا فيها أشخاص يمتلكون مناعة ضد الأمراض، قوتهم الجسدية والعضلية أفضل بمرات مقارنة مع حالنا اليوم، قدراتهم العقلية تكاد تشبه من نصفهم اليوم بالعباقرة، حواسهم متطورة، ويمكنهم العيش لعقود طويلة إضافية مقارنة مع متوسط الأعمار الحالية في العالم... بمعنى آخر، سيكون لدينا أفراد يمكن أن نسميهم البشر الخارقين Superhumans.

هل من سبب للاعتراض على هذا الأمر؟ هل يمكن للتفكير السليم أن يرفض صورة هذا المستقبل المشرق للبشرية؟ بالطبع لا... لكن الذين يعترضون على هذا الإنجاز العلمي يسألون: لو تحقق هذا الأمر، ماذا سيحل بنا، نحن البشر "العاديين"، عندما نصبح الأقلية ويصبح العالم خاصاً بالـ Superhuman؟

No comments:

Post a Comment